الشاهد للدراسات السياسية والاستراتيجية        

   
     

 حوار مع الدكتور عصام العريان

في حوارنا معه توقعنا الكثير، ولم تخب آمالنا.. فلأول مرة يقدم أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين رؤية واضحة مكتملة للخروج من الأزمة، يعترف فيها بالخطأ وضرورة المراجعات، ويكشف عن اتجاهات الحوار داخل التنظيم الحركي الإسلامي الأكبر في العالم حول فكرة التحول إلى العمل السياسي المؤسسي، والتعامل مع الأسئلة التي تطرحها المتغيرات الدولية والعالمية، شارحًا بوضوح كيفية الاستجابة لتلك المتغيرات، مقدمًا خططًا محددة وواضحة ذات أبعاد مجملة حول التعاطي مع الواقع المحلي بكل تجلياته وتناقضاته.

وليس هذا غريبا على الدكتور "عصام العريان" أحد قادة الجماعة ورموزها الفكرية الكبرى؛ فهو واحد من صانعي القرار السياسي والدعوي داخل الجماعة، وواحد من راسمي خطط التوجه نحو كافة القوى السياسية اتفاقا واختلافا في محاولة للتفاعل الحي والموضوعي، وأخيرا فهو واحد من جيل يحاول أن يخرج بالجماعة من نفق التنظيم المكبل إلى رحاب الحركة الحرة.

وهو واحد من النشطاء على ساحة العمل السياسي المصري , وعضو سابق بمجلس الشعب ، قام بتشكيل ( ملتقى التجمعات المهنية لمناصرة القضية الفلسطينية) كمؤسسة شعبية تهدف إلى الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني .

وكان الحوار معه كالتالي :

س : هل هناك إنصاف في الحديث عن العلاقة بين الإخوان وعبد الناصر من حيث التحليل الإخوانى ؟ وهل عرض السادات على الإخوان إنشاء حزب سياسي ؟

السادات لم يعرض على الإخوان إنشاء حزب سياسي ولكنه عرض عليهم إنشاء جمعية اجتماعية تتبع الشئون الاجتماعية وهذا ما رفضه الإخوان لأنه يخل بالمعنى و المفهوم الشامل الذي يفهمه الإخوان للإسلام وبالتالي وقفت العلاقة عند هذا الحد ، ومازلنا أسرى هذه العلاقة الملتبسة بين النظام وبين الإخوان حيث هناك واقع فعلي للإخوان بدون أن يكون لهم شكل قانوني .

أما الإنصاف بالنسبة للمرحلة الناصرية فلا شك أن التحليل الإخوانى سيحمل بمرارات المظالم التي عاشها الإخوان منذ عام 1954 وحتى وفاة عبد الناصر عام 1970 فقد تعرض كم كبير جدا من عشرات الأسر والألوف من الأبناء والزوجات و ليس فقط الإخوان أنفسهم وكانت هناك معاملة دموية شديدة القسوة مع قادة الإخوان الذين علقوا على المشانق ، هذا الإرث يحمّل الدراسة والتحليل الإخوانى هذه المرارات ، واعتقد أنه في دراسة التاريخ لا يمكن أن نأخذ وجهة نظر واحدة ولكن يجب أن نأخذ وجهات النظر كلها .

ولا يمكن أن نصل إلى الحقيقة إلا بعد وفاة كل من عاصروا الحدث لكي يكون التحليل منصفا ، ولكن بغض النظر عن تحليلات الإخوان فإن التحليلات المتعددة للفترة الناصرية تؤكد أن عبد الناصر منذ بداية الحركة الخاصة بالضباط الأحرار أراد الانفراد بالسلطة وعدم مشاركة أحد حتى ممن قاموا معه بالثورة حتى آخر أصدقائه وهو عبد الحكيم عامر تخلص منه سواء بالانتحار أو القتل وهذا هو سر المعضلة الرئيسية وكما أن هذا الإرث من استبداد السلطة ، هو سر تأخر العالم العربي والإسلامي لأن النموذج الناصري تكرر في العديد من البلاد العربية .

 س : يتردد أن الجماعة لم تقدم شيئا منذ نشأتها ، و غيرت المسار عما كانت عليه ، و لا مكان فيها للرأي المخالف ، والمرشد لا يتم اختياره بالانتخاب .. ما رأيكم ؟ .

المرشد طوال عهد الإخوان يتم انتخابه من قبل مجلس الشورى أو الهيئة التأسيسية وكان هذا يتم بصفة علنية حين كان للجماعة وضع قانوني ولكنه يتم الآن بصورة أو بأخرى نظرا للظروف الأمنية الصعبة التي يمر بها الإخوان ، وهناك مجال للرأي المخالف داخل الإخوان لكن رأيي أنه عند وطأة الظروف الصعبة وقسوة الضغوط الأمنية والنظم الحاكمة لا تترعرع الآراء المخالفة ولكن يبقى الحس التنظيمي والوحدة هي التي تسيطر على الناس جميعا ، وبالتالي يظهر الأمر أمام الناس وكأن الإخوان مجمعين دائما على رأي واحد ، وهذه مشكلة وليس الإخوان السبب فيها ولكن هي الظروف الصعبة التي وجدوا أنفسهم فيها ، وأحيل إلى وضع الإخوان في دول أخرى مثل الأردن ومثل الجزائر وغيرها من البلاد فهناك آراء مخالفة وهناك من يخرج من الإخوان تماما نظرا لأنه يتبنى رأيا مخالفا اشتط فيه عن رأي الأغلبية . وبالنسبة لما قدمته الجماعة منذ نشأتها فقد قدمت الكثير ، فمنذ القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كان ما يسمى بإرث الرجل المريض والمسألة الشرقية في معالجة ملف الدولة العثمانية هو المسيطر ونجح الغرب في القضاء على الخلافة العثمانية التي كانت تجمع البلاد الإسلامية والعربية على راية واحدة . أما الآن وبعد أن ظن الغرب أن قضية الإسلام السياسي انتهت ، وبالتالي انتهى أمل "وحدة المسلمين" وجدنا في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين يرفع الغرب شعار مواجهة الإرهاب ليخفى حربه المعلنة على الإسلام. ولاشك أن الإخوان كحركة أم عاشت ثلاثة أرباع القرن الماضي أسهمت وبشكل ملموس في إبقاء التيار الإسلامي الشامل الذي يهتم بكل مناحي الحياة فاعلا ومتواجدا في المجتمع ، ونشرت هذه الفكرة المتكاملة عن الإسلام ليس في بلاد العرب والمسلمين فقط ولكن في بلاد الغرب ذاتها ، ولو لم تقدم حركة الإخوان إلا هذا المفهوم الشامل والمتكامل للإسلام وحرصت على بقائه لكان هذا كافيا كدليل على أن ما قدمته ليس بالشيء اليسير. إلى جانب ذلك فيحسب للأخوان أنهم أسهموا في خدمة مجتمعاتهم وتنمية تلك المجتمعات وتحديثها وتربية أجيال تتكون من الألوف والملايين من الشباب على تعاليم الإسلام الصحيح وهذا ما أفاضت فيه العديد من الدراسات والكتب ، والإخوان لم يغيروا مسار الحركة منذ بدايتها على يد الشيخ حسن البنا ، ولكن هناك ثوابت لابد من الاتفاق عليها والحرص على بقاءها والتغيير فيها يكون أمرا غير مرغوب فيه ، أما الاتفاق على التعددية السياسية والموقف من المرأة فهي أمور فيها اجتهادات جديدة من جانب الإخوان تتماشى مع المستجدات التي تعيشها الأمة الإسلامية الآن.

 س : لماذا عسكرة الجماعة في ظل وجود خصومة تاريخية من جانب الأنظمة لا طائل من وراءها؟ وهل لازلت تتمسك برأيك بضرورة علانية نشاط الجماعة ، وألا تستدعي تداعيات 11 سبتمبر مراجعات من جانب الجماعة والتعاطي مع النظام بشكل شجاع . و ما ردكم على الوثائق التي ضبطتها أجهزة الأمن في شركة سلسبيل و غيرها ؟

سبق أن قلت أن طبيعة الظروف الأمنية الصعبة هي التي تحكم أسلوب عمل الإخوان والجماعة أحرص ما تكون على العلنية ، والسرية مرتبطة بالأهداف والوسائل التي يتبعها أي نظام أو جماعة ، والعمل المطلوب هو المشاركة في الانتخابات الطلابية والنقابية والبرلمانية وخدمة المجتمع والتربية فهذا لا يقتضي أي عمل سري ، الذي يفرض السرية هو الأمن فعندما يطارد الإخوان ويقدم كل فترة وأخرى عدد منهم زبائن في السجون والمعتقلات فهذا يدفع كثير من الإخوان إلى إخفاء هويتهم ولا يستطيع أحد أن يعلن هويته لأنه يعلم أن مصيره السجن و لو أن هناك رخصة قانونية لما تأخر الإخوان عن الإعلان عن كل أنشطتهم كما كان الحال قبل ثورة يوليو حين كان لهم إطار شرعي وقانوني يكفل لهم حرية الحركة والنشاط أما الخصومة التاريخية من جانب النظام تجاه الإخوان فهذا الأمر لا علاقة للإخوان به فقد سبق أن أعلنوا مرارا رغبتهم في الحوار مع النظام ، والرفض والتجاهل يكون دائما الرد على تلك الدعوة . أما الوثائق فهي أمر طبيعي في أي جماعة فلابد أن يعتمد خلال ممارسة النشاط على شيء مكتوب ووجود هذه الوثائق دليل على اعتماد الإخوان على العلنية فلو كانوا يمارسون أنشطتهم بطريقة سرية لما وجدت هذه الوثائق والمستندات .

الإخوان يسعون للتغيير في إطار الدستور ووفق ما تقتضيه القوانين وبطريقة سلمية ، نحن نقول باستمرار أننا في مواجهة الهيمنة الأمريكية والصهيونية لا مناص من وحدة الجبهة الداخلية ، وأي تغيير تفرضه الولايات المتحدة الأمريكية ولو كان متسترا وراء الديمقراطية الزائفة لا يخدم إلا المصالح الأمريكية ، ولكن من يعقل من النظم الحاكمة في مصر وغيرها هذا المعنى ، بحيث تتوحد الجبهة الداخلية كلها في مواجهة هذه الهجمة الاستعمارية الجديدة التي تقودها أميركا.

الإخوان ليسوا حريصين على أي مواجهات مع النظم وهم يرفعون راية الحوار الموضوعي مع تلك الأنظمة للوصول إلى حماية بلادنا وأوطاننا من الخطر القادم من الولايات المتحدة وإسرائيل ، أما موضوع العسكرة فلا يوجد عسكرة في صفوف الإخوان إنما الموجود هو نظام لتسيير أمور الجماعة وانضباطها وهذا أمر تحرص عليه كل الجمعيات والمؤسسات في كل العالم فلا وجود لعمل جماعي بدون لوائح ونظم ولو أعطتنا الحكومة الرخصة القانونية لانتفت كل مظاهر العسكرة التي يشتكي منها بعض الشباب.

س : كيف نوازن بين الضوابط الأمنية السرية والعمل السياسي العلني؟

يجب علينا ألا نغرق في الضوابط الأمنية والسرية وأن نكون شجعانا وأن نحدد هويتنا بصراحة وأن ندخل في التحديات التي تواجهنا بأفكار تناسب الوضع الذي نعيشه بكل تحدياته ، قانون الطوارئ المطبق على البلاد أكثر من عشرين عاما عطل أي إجراءات داخل الإخوان للمزيد من العمل العلني والسياسي لأن أي إجراء إداري داخل الإخوان تضبطه الأمن ويتم تجريمه ويودع أصحابه في المعتقلات وتصل العقوبة إلى السجن لخمس سنوات .

اعتقد أننا نعيش ظروفا غير عادية ليس بالنسبة للإخوان فقط ، ولكن لباقي التيارات السياسية ، وهناك من يرى أن الإخوان أكثر ديمقراطية من غيرهم كما قال ذلك الدكتور وحيد عبد المجيد في جريدة " الحياة " اللندنية ، وأحد أهداف الحملة الأمنية هو منع التطور الطبيعي لجماعة الإخوان ، وهذا لا يمنع أن يقوم كل مسلم بدوره وهذا هو الحل لمواجهة الحصار المفروض على كل مسلم ، ومنع الأستاذ عمرو خالد وعلى الجفري من الخطابة هو دليل ساطع على تلك الحساسية الشديدة من جانب السلطة تجاه أي عمل إسلامي فردي أو جماعي .

س : ما هو مستقبل الجماعة ؟ وما هي شرعية فضيلة المرشد الحالي ؟ هل جدد انتخابه ، أم أنها بيعة المقابر التي لازلنا نعاني من ويلاتها ؟ وهل تصلح إدارة الجماعة بأشخاص تعدوا الخامسة والثمانين عاما ، والتي أدت إلى تضخم وترهل الجماعة والإفتقاد إلى المبدعين وكيف يمكن تطوير التنظيم في ظل هذه الظروف ؟.

اعتقد أن شرعية المرشد قوية وليست ضعيفة ، وهو كان نائبا للمرشد ، ولو ظل نائبا يقوم بأعمال النائب لكانت هذه شرعية كافية ، ولكنه انتخب ، وتم تجديد انتخابه فعلا ولا مجال لطرح هذا الأمر بعد ذلك . أما متوسط أعمار قيادات الإخوان والتي تخطت 85 عاما ففي هذا مغالاة ، فالمرشد نفسه لم يصل عمره إلى 85 عاما ، فمتوسط أعمار القيادات ليست كبيرة بهذا الشكل والدليل على ذلك أن قضايا الإخوان الأخيرة ومن تم إلقاء القبض عليهم من القيادات تتراوح أعمارهم بين الأربعين والخمسين وليس الثمانين ، وحتى الإخوان كبار السن لا يمنعوا غيرهم من الشباب من القيام بواجباتهم وأعمالهم.

أما القول بأن الأستاذ مأمون الهضيبي صدامي و ذو صلابة في الحديث مع النظام فهذا يرجع إلى كونه قاضيا ، وحدة لهجته تظهر في المواقف التي تتطلب ذلك وهو مضطر إليها فمع تزايد الهجمات ضد أفراد الجماعة فمن الصعب على الإنسان أن يحتفظ بهدوئه حين يتكلم في مثل هذه الأمور ، ومأمون الهضيبي يمثل صمام أمان بالنسبة لأفكار الإخوان وقام بهذا الدور أثناء وجوده بالسجن ، وشارك في تصحيح الأفكار والتوجهات لدى الشباب لمنع اتجاههم للتشدد ، أما مسألة ترهل التنظيم وعدم وجود مبدعين فهذا كله يرجع إلى الظروف الأمنية الضاغطة ليلا ونهارا والتي تستهدف من ضمن ما تستهدف إعاقة أي تطوير داخل الجماعة.

ويجب على الإخوان جميعا ان يتحملوا مسئوليتهم ولا يوجد احد يمنع الابداع اطلاقا واذا كان هناك شكوى من العمل المنظم نتيجة ضغوط السلطة واجهزتها الامنية تحرم الإخوان من القدرة على الحركة ، فالمسئولية الايمانية والمسئولية الفردية تفرض على كل مسلم وحتى ولو كان من خارج الإخوان ان يقوم بدوره فى نصرة دين الله تعالى والدعوة الى إعلاء تعاليم الاسلام بالحكمة والموعظة الحسنة ولا يستطيع احد ان يمنع اى مسلم من القيام بالواجبات التى كلفه الله تعالى بها .

س : ما هو دور الإخوان الآن نحو مناصرة القضية الفلسطينية؟ .

الإخوان الان هم اصحاب الدور الرئيسي فى مناصرة القضية الفلسطينية داخل فلسطين وخارج فلسطين والإخوان فى ( حماس) وكل الفصائل الفلسطينية يدافعون عن وجود الامة العربية والاسلامية كلها .

نحن لا نملك الان إلا ما نستطيع لنصرة القضية الفلسطينية فالضغوط الامنية تضاعفت على التيارات السياسية وهى اشد على الإخوان ، فنحن بين شقى الرحى ، فاذا خرجنا فى مظاهرة يتم مواجهتها من جانب الامن ونحن حريصون على عدم الصدام مع الامن تجنبا لاى فتنة داخلية لا تخدم سوى الصهيونية وامريكا ، وهذا ما حدث من اعتقالات لأعضاء من الإخوان لان النظام لم يتحمل المظاهرات التى خرجت من الازهر لمناصرة القضية الفلسطينية وكذلك الجامعات .

واذا سكتنا تعرضنا لغضب الله تعالى بسبب التقصير فى اداء الواجب تجاه فلسطين والمسجد الاقصى ، واجتهاد الإخوان الآن هو مناصرة القضية الفلسطينية بالتوعية بها ، ودعمها بالمال ، وممارسة الضغوط المستطاعة على النظم حتى لا تنصاع للحل الاميركى الذى يهدف الى تصفية القضية الفلسطينية .

أما الاخوة داخل فلسطين فهم يقومون بواجبهم وزيادة ويحتاجون لاجتهادات من باقى المسلمين فى كل مكان ولهم مواقع على الانترنت تحتاج الى تفاعل وابداء الراى والنصح المتبادل من جانب كل مسلم غيور على دينه وعلى مسجده الاقصى وتراب فلسطين .

س : لماذا قيادات الإخوان خاصة المرشد محتكرة من جانب المصريين مع وجود قيادات مؤهلة من جنسيات اخرى ؟ ، وما حقيقة حزب الوسط ؟ ، وهل يوجد تيار تجديدى داخل جماعة الإخوان . و أذكركم ان المرشد السابق حامد أبو النصر لم يكن له تميزا في علم أو قوة حوار ، و لم يترك لنا كتابا من بعده ؟؟ .

اعتقد ان مصر هى البلد الام ليس بالنسبة لحركة الإخوان ولكن بالنسبة ايضا للامة العربية دورها مركزى فى العالم كله ونظام الإخوان الاساسي ينص على ان غالبية أعضاء مكتب الارشاد يكونون من بلد المرشد ، ومصر تحظى نظرا للتمثيل العددى الكبير للإخوان بأكبر نسبة من أعضاء مكتب الارشاد ، وبالتالى يكون المرشد تلقائيا من مصر نتيجة التمثيل العددى وليس احتكارا على الاطلاق اما الشخصيات الاخرى من خارج مصر فلها دورها ولها وجودها ونشاطها .

اما قضية الإرشاد فليست بالكتب والتاليف ، ولكن تميز الاستاذ حامد ابو النصر بالصمود والصلابة والحكمة السياسية وكان رجلا له باع سياسي ولكن حظه انه جاء لمنصب الارشاد بعد ان بلغ من العمر عتيا وظروف سياسية صعبة . وفيما يتعلق بحزب الوسط تحدثنا فيه كثيرا ، وهى مسالة انتهت برفض الحكومة انشاء الحزب ، والاختلاف حدث على الاجراءات فجميع الإخوان مستعدون لان يصبحوا حزبا سياسيا خلال 24 ساعة ، ومتفقين على ان برنامج الحزب يجب ان يكون منبثقا من برامج وفكر الإخوان ، وان الحزب إذا أنشىء فسيعبر عن جموع الإخوان ، والرفض جاء من جانب الحكومة حتى ان الرئيس مبارك صرح بانه لن يسمح بحزب للاخوان حتى ولو سمحت الحكومة ، وهذا تصريح معلن وشباب الإخوان رأوا بعد تلك التصريحات عدم الاستمرار فى الصدام مع الحكومة من اجل انشاء الحزب وراى البعض الاخر الاستمرار فى هذا المسعى لانشاء الحزب واتضح ان الحكومة ترفض السماح بقيام اى حزب جاد ، وليس للاخوان فقط ولكن لأى تيار سياسى ، والتيار التجديدى موجود داخل الإخوان والذى يمنع ظهور هذا الامر هو حالة الحصار المفروض على الجماعه وافرادها من جانب السلطه .

س : لماذا من يتصدرون للعمل الإخوانى هم حليقو اللحى ، أهى رخصة ام تساهل ام ضرورة ؟ .

 ليس كل من يتصدر للعمل الإخوانى حليقي اللحي هناك من يطلق لحيته ، وبعضهم يرى ان اللحية واجبة والبعض يرى انها ليست واجبة ، والبعض يأخذها من باب الاوضاع الامنية وسهولة التعامل مع غير المتدينين ليقترب منهم اكثر .

س : ما هو سبب حالة نزف المفكريين الحادث فى الجماعة الان الدكتور حامد قويسي والاستاذ كمال الهلباوى والدكتور القرضاوى فهل ضاق التنظيم بالمفكريين ومحاولات التصويب والنقد ؟.

ليست أسباب ترك هؤلاء للجماعة أسبابا فكرية و لكن بعضها أسباب تنظيمية وأخرى خاصة بظروف المفكر نفسه ، فمثلا الدكتور يوسف القرضاوى الذى عاش طوال عمره داخل الجماعة وجد ان دوره خارج الجماعة افضل من وجوده داخلها ، ولكل حالة من حالات هؤلاء المفكرين لها ظروفها الخاصة ومن الشجاعة ان يتحمل الشخص الرأى المخالف ولا يصر على ان رأيه هو الذي يجب ان يسود حتى لو كان يعتقد ان رأيه مبدع ، ولا توجد انشقاقات داخل جماعة الإخوان حاليا ، ولكن هذه الانشقاقات حدثت أيام أن كانت الجماعة تتمتع بالوضع القانونى .

س : هل هناك ضوء فى نهاية النفق وما تقييم تجربة النقابات ، وهل يتطلب الامر ازالة الاحتقان مع السلطة ، وماذا عن منهج الجماعة فى التغيير ، وهل يمكن مراجعة أطروحات سيد قطب التى شوهت رؤى الشيخ حسن البنا الحضارية ؟ .

اعتقد ان كل اخ عليه ان يعلم ان مرجعيته هى فى الكتاب والسنة ، واننا كما قال حسن البنا مرجعنا هو القران الكريم وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، بعد ذلك الفهم الذى التقى عليه الإخوان وهو فهم حسن البنا مؤسس الجماعة . أطروحات الشهيد سيد قطب التى فهمها البعض خطأ و أن فيها نوعا من التشدد الذى لم تعرفه اطروحات الشهيد البنا وبالتالى فكل شئ قابل للمراجعة ، وبما ان الإخوان راجعوا انفسهم فى كثير من الامور التي ذكرها الاستاذ البنا رحمه الله مثل قضية التعددية السياسية والموقف من المرأة ، فلا يوجد اى شى خارج المراجعة ، والحكم هو كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .

وانا اسف لان كثيرا من شباب الإخوان لا يعتمدون فى تربية انفسهم على ما يصلهم من كتب ومراجع ، فى حين ان منهج اصلاح النفس هو مسئولية الاخ ، بل ان اصلاح النفس وتكوين البيت وارشاد المجتمع كما قال البنا هو مسئولية كل اخ على حده ، وايضا مسئولية الجماعة لمساعدة الاخ على القيام بهذا الواجب ، وبالتالى الإخوان مدرسة تربوية اكثر منها تنظيم وفكرة ورسالة، الى جانب انها هيئة وجماعة ، وفى ظل السجون والمعتقلات ظل الإخوان على الساحة .

واناشد كل الإخوان بسعة الصدر وان يحترموا قواعد العمل والسلوك داخل الجماعة والا يترددوا فى ابداء رأيهم بحكمة وشجاعة وادب حوار ، والشهيد سيد قطب ظُلِم كثيرا بسبب التفسيرات المتشددة لافكاره من جانب بعض الجماعات التى اعتمدت التكفير ولجأت للعنف بسبب التفسير الخاطى لكلام سيد قطب ، والإخوان في حاجة لفهم أطروحات سيد قطب فى اطار فهم الشهيد حسن البنا ، واذا وجد اختلاف بين الشهيدين فعلينا ان نتسلح بالشجاعة لكى نعتمد كلام حسن البنا وليس كلام أى أحد اخر .

س : ما هو موقف الإخوان من الحرب الافغانية ؟

اصدر الإخوان العديد من البيانات ، أحيل الى ما كتبه الاخ كمال الهلباوى حول هذا الموضوع .

س : ما هو تعليقك على مقولة ان السلفيين فقه بلا سياسة والإخوان سياسة بلا فقه؟؟ .

اعتقد ان هذا ظلم للطرفين ، هناك اتجاه سلفى يشتد عوده وهو يحمل المفهوم الشامل للاسلام ، وقد اخذ يؤمن بالعمل التنظيمي ، وهو هنا يتفق مع الإخوان . أما الإخوان فلهم فقهاء ، واشهر فقهاء العصر وهو الدكتور يوسف القرضاوى هو من خريجى مدرسة الإخوان ، ومن اشهر فقهاء الشام الشيخ فيصل المولوى وهو قائد الإخوان فى لبنان وغيرهم من الفقهاء الموجودين على الساحة ، ولولا الحصار الامنى المفروض على الإخوان لكان هناك اسماء لامعة ، ولا يمكن لحركة الإخوان ان تعتمد عملا سياسيا او غيره إلا بناء على الفقه المستقى من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم . قد يختلف البعض ، ولكن مساحة الاختلاف واسعة فى الاراء الفقهية .

س : لماذا انقلب عبد الناصر على الإخوان الذين كانوا حلفاءه قبل الثورة وفى بدايتها ؟ .

اعتقد ان هناك كتابات كثيرة تناولت الصدام بين عبد الناصر وحركة الإخوان والحقيقة ان الإخوان لم يفرضوا وصاية على الثورة اطلاقا ، ولكنهم طالبوا عبد الناصر بالوفاء بما تعهد به بان تكون الثورة مرجعيتها الاسلام ، وبالتالى فلتكن هناك هيئة تراجع ما يصدر عن الثورة من قرارات ومدى توافقها مع الشريعة الاسلامية ، فرفض عبد الناصر هذا واعتبر ذلك الاقتراح وصاية على الثورة ، والإخوان نفضوا أيديهم من الثورة وبدأوا يطالبون بالحريات العامه للجميع .. للإخوان وغير الإخوان وشاركوا فى اعداد الدستور الذى كان من المفروض صدوره فى عام 1954 ، ورفضه عبد الناصر ثم كانت المؤامرة الكبرى بالتخلص من محمد نجيب ، وتصفية الإخوان المسلمين والهجوم على الحريات .

وبالنسبة للزعم بان الإخوان تعاونوا مع القوى السياسة المعادية للثورة فى ذلك الوقت فهذا غير صحيح لان الإخوان لم يكن امامهم سوى الوقوف الى جانب إقرار الحريات والديمقراطية البرلمانية لان الخيار الاخر هو السير فى طريق الاستبداد الذى اختاره عبد الناصر ، والإخوان رفضوا ذلك الطريق واختاروا طريق الحريات ومن هنا جاء الصدام ، والإخوان لم يقفوا مع اعداء الثورة لان كل القوى السياسية توافقت على ضرورة وجود حياة نيابية وتعددية فاذا رفض عبد الناصر ذلك فيكون هو الذى بدأ الصدام مع قوى الحرية وانقض على اهم انجاز حققه الشعب المصرى وهو وجود نظام برلمانى وتعدديه منذ عام 1923 وحتى عام 1952 .

س : لماذا لا تحاولون مد جسور الحوار مع الرموز المعتدلة بالسلطة ، وايجاد قنوات اتصال تسمح بتخفيف الاحتقان المزمن فى علاقتكم بها ؟؟

الإخوان لم يتوانوا ولم يتقاعسوا عن المطالبة بالتعاون مع الجميع ، ولكن قوبل طلبهم بالرفض من جانب السلطة وهى فى الحقيقة ترفضه مع الجميع فهى لا ترضى إلا بسياسة الإملاء ، وبالتالى فهى تريد ان تعطى أوامر ، وعلى الآخرين التنفيذ ، اما الحوار فلا يوجد طرف فى السلطة يريده لا مع الإخوان ولا مع غيرهم من التيارات الموجودة فى المجتمع ومع ذلك فنحن لا نمل من ابداء الرغبة في الحوار مع أي طرف في السلطة وتحويل الوضع من قضية أمنية الى قضية سياسية .

س : ما رأيك في الدعوة لمراجعة فكر جماعة الإخوان المسلمين أسوة بما فعلته الجماعة الاسلامية مؤخرا وهو ما طالب به وزير الداخلية مؤخرا ، وهل يهتم الإخوان بالسياسة أكثر من شئ اخر؟ .

وزير الداخلية يريد من الإخوان التخلى تماما عن العمل السياسي والعمل العام وهو اعلن ذلك بصراحة وهذه هى المراجعة المطلوبة من الإخوان حتى لا يسببوا صداعا للحكومة . والحكومة التى تدعو الإخوان لعمل المراجعات هى التى تسعى لاسقاط مرشحى الإخوان فى دوائرهم حتى النساء ، وما جرى فى دائرة الرمل فى الاسكندرية شاهد على صحة هذا الاتجاه الحكومى ، والجماعات التى قامت بالمراجعات كانت تمارس العنف وقد دعاها الجميع لوقف هذا العنف وللآن لم تحظ تلك المراجعات بالقبول من الحكومة ، وما زال الالاف من شباب هذه الجماعات رهن الاعتقال ، ولا يوجد اى افق حتى الآن للافراح عنهم . ولا يمنع هذا الإخوان من الاستمرار في إجراء مراجعاتهم ولكن وفق المصلحة الوطنية ومصلحة الاسلام .

س: الجماعة لها تاريخ نضالى ضد الاستعمار والعهد الملكى إلا ان موقف الجماعة ظل كما هو دون تغيير وهو المدافعة ولم ترتق لدرجة التمكين واقامة الدول الاسلامية كما فعلت وصيفتها فى السودان . فهل هذا ضعف فى المنهج أو للمنهج التربوى الصارم؟؟ .

انا مشغول حاليا بدراسة قضية السلطة والجماعات الإسلامية ، والرغبة من جانب بعض الجماعات للوصول للسلطة ، واختزال الجهد المطلوب للتغيير بالعمل بآليات ووسائل الدولة نفسها ، واعتقد ان النموذج الشيوعى نموذج يستحق الدراسة والتأمل من جانب قيادات العمل الإسلامي لانه نموذج قام وانهار خلال سبعين عاما وكان انهياره مدويا ، وكانت وسيلته الرئيسية العمل من خلال الدولة والسيطرة على الدولة لإحداث التغيير الاجتماعى والاقتصادى بهذه الآليات ، والإسلامى له طبيعة خاصة ، ومسألة التمكين والوصول الى السلطة يجب الا تأخذ فى الحس الاسلامى حجما اكبر من الحجم الطبيعى لها وان تاتى كما قال الاستاذ البنا ثمرة ناضجة نتيجة التغيير الحقيقى داخل المجتمع ولا يوجد أبدا دولة ستبقى قائمة ملتزمة اسلاميا مالم يكن لها تأييد شعبي كبير ،هذا التاييد الشعبى هو الذى يجب ان يتم قبل وأثناء وبعد التمكين .


والوضع فى السودان صعب والحكومة السودانية رغم دعاء نا لها إلا انها تعيش فى ظروف بالغة القسوة ، والحركة نفسها انقسمت بعد الوصول الى السلطة وهناك شبهة لوجود السلطة بدون رضا تام من الشعب وبدون بيعة من الشعب ، وهذا شى يقدح فى مشروعيتها ، وهذا السؤال محرج للجميع ويجب ان يطرح على انفسنا كتجربة ، لذلك اعتقد ان الإخوان ليسوا متعجلين أبدا للوصول الى السلطة والكلام المنشور عن التمكين سابق لآوانه واحلام بعيدة المدى ، والعمل الرئيسى الذى ينبغى التركيز عليه من جانب الحركات الاسلامية هو الجانب التربوى والدعوى والتغيير فى المجتمع والمطالبة بالحريات العامه بحيث يختار الناس المنهج الاسلامى وفق قناعتهم وان يكون لديهم الاستعداد للتضحية فى سبيل التمسك بهذا المنهج ،هنا نكون قد نجحنا .

أما المحن والسجن فهذه امور تعودت عليها جماعة الإخوان وهى موجودة قبل الثورة وبعد الثورة وهى امور ليست دليل على ضغف الإخوان ولكنها دليل على ان الدولة ترى فيها خطرا ليس بالهين .

س : ما هو تقييمك للوضع الحالى فى المنطقة بالنسبة لعملية السلام المزعومة ؟؟ .

الحقيقة ان المنطقة العربية مقبلة على كوارث والمراقبون ينتظرون الآن مجاهيل وليس مجهولا واحدا والامريكان انفردوا بأمور المنطقة ، ولا يوجد نظام يستطيع الوقوف امام اميركا حتى النظم المسماه بالمارقة او المتمردة على امريكا لا تستطيع ان تفعل شيئا ، وهذا الوضع الذي وصلنا اليه هو نتيجة السياسات المتبعة خلال نصف القرن الماضي ، سياسات الاستبداد والتجهيل وتغييب الشعوب ومحاربة الحركات الاسلامية ، ونحن فى مواجهة هذا لا نملك الا ان نتمسك بالامل واليقين فى ان هذا الظرف الصعب سيخرج من رحمه ما هو افضل ، والبعض يتوقع حدوث تطورات تشبه ما حدث بعد عام 1948 حيث برزت الحركات الاسلامية وزادت شعبيتها .

والحركة الاسلامية الان تحتاج لقراءة صحيحة للواقع المحلى والعالمى والتفاعلات داخل المجتمع العربى الاسلامى وعدم التركيز على السلطة والدولة ولكن التركيز على الناس والشعب والعمل التغييرى فى مجال البنيان ، واذا نجحنا فى ذلك يمكن ان نحيل هذا التشاؤم الى تفاؤل ، وان نحول الاطار الزائف للديمقراطية الى مناخ ديمقراطى حقيقى خاصة وان هناك بدايات للتصدع فى الامبراطورية الامريكية وهناك خلافات داخل المعسكر الغربى المسيطر على العالم فهناك خلافات حاليا بين اوروبا وامريكا وستظهر خلافات بين روسيا والصين من جانب والولايات المتحدة الامريكية من جانب اخر, والعالم الاسلامى سيشهد تطورات فالاوضاع السيئة لن تستمر على هذا الحال وينبغى ان نصبر ونصابر( ياأيها الذين امنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون) .

س: هل أهداف حركة الإخوان سياسية أم دينية؟.

الإخوان المسلمون يهتمون بالجانب الدينى واهدافنا اسلامية من منطلق ان الاسلام مفهوم متكامل يشمل الدين والسياسة واهتمامنا بالدين والسياسة اهتماما قويا ، ومازالت الجماعة صامدة وصابرة وهى تلتزم بقوله تعالى ( ولتكن منكم امة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر واولئك هم المفلحون ) وان شاء الله يلتف حولهم كل مخلص يريد انقاذ هذه الامه فلا انقاذ من غير طريق الاسلام .

س : ما تقييمك لمسيرة حركة مجتمع السلم فى الجزائر ومشاركتها فى الحكومة الجزائرية ، وهل خيار المشاركة هو خيار ناجح فى ظل الاوضاع السيئة التى تعيشها الجزائر ؟؟ .

اجابه السؤال تحتاج للتمحيص والتأني فحركة مجتمع السلم شاركت فى الحكومة فى هذا الوقت للحفاظ على الرايه الاسلامية مرفوعة فى الجزائر فى مواجهة حركات الاستئصال وهذه المشاركة حملتها اوزار الحكم ، وخيار المشاركة ينبغي ان يكون خيارا وقتيا وليس دائما ، فأهل مكة أدرى بشعابها ، وينبغي لحركة مجتمع السلم توضيح موقفها للمسلمين فى الجزائر وخارج الجزائر وترد على الانتقادات الموجهة اليها لمشاركتها فى الحكم فى ظل تلك الاوضاع الصعبة .

س : هل صحيح ان الجماعات المتشددة خرجت من عباءة الإخوان ؟؟

ليس صحيحا ان الجماعات المتشددة خرجت من عباءة الإخوان لان منهج الإخوان معتدل وسطى مرن ، والمتشددون حين وجدوا ان هذا المنهج لا يتسع لهم هم انفسهم ابتعدوا عن الإخوان واسسوا جماعاتهم الخاصة بهم ورفضوا الانخراط تحت مظلة الإخوان .


س : الى متى ستظل الجماعة تتلقى الصفعات من الحكومة ؟ والى متى ستشاركون فى لعبة كل أطرافها واسسها تخضع للطرف الاخر؟؟

نحن لا نحارب الحكومة بحيث هناك طرف قوى وطرف ضعيف نعتقد اننا شركاء فى هذا الوطن وواجبنا الشرعي يقضى ان نتحمل ما نلقاه فى سبيل المشاركة الإيجابية لاصلاح الأوضاع .

س : ماهي النظرة المستقبلية للجماعة تجاه العمل السياسي في مصر في ظل غلق الابواب في وجهها ، والموقف من تداول السلطة ، واين ذلك فى واقع الجماعة ؟ .

لا مستقبل للعمل السياسى لكل التيارات السياسية وليس بالنسبة الإخوان فقط ويتضح ذلك من غلق الباب امام الممارسة السياسية ، وذلك يؤكد وجود انسداد سياسى ، والذى يعتقد ان ذلك سيدوم مخطىء ولا بد من حدوث تغيير فى اتجاه ازالة هذا الإنسداد وإلا سيحدث انفجار ، والإخوان يرون ضرورة توفر الحريات والمناخ السياسى القادر على احداث تغيير حقيقى وان يكون للناس القدرة على اختيار الاصلح ، وهذا يقتضي من الإخوان جهد لا يقل عن الجهد المبذول للفوز بمقعد فى البرلمان ، والدور المنتظر من الإخوان لتحقيق ذلك الانفتاح السياسى لا يتم على اى وجه بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التى يعيشها المصريون الى جانب الضغوط الامنية التى تعيش فى ظلها الجماعة

والإيمان بتداول السلطة مبدأ مهم وتطبيقه مهم ، والإخوان طبقا الاثنين ولكن كون ان الامور تجمدت بسبب اوضاع المطاردة الامنية فهذا شىء خارج عن طاقة الإخوان ، والان اى اجتماع يشتم منه انه اجتماع تنظيمي يضم عددا من الإخوان عقوبته التحويل الى المحكمة العسكرية وقضيتي أنا عام 1995 التى سجنت بسببها خمس سنوات امام محكمة عسكرية كانت بسبب اجتماع قالوا انه اجتماع لمجلس شورى الإخوان ، الان هناك قيادات صغيرة ومتوسطة تؤدى دورها داخل الإخوان فى ظل الاوضاع الصعبة ولا مركزية العمل اتجاه مهم داخل حركة الإخوان .

س : لماذا شاخت قيادات الاخوان فى مواقعها ، وألم يحن الوقت لان يتولى قيادة الاخوان قيادة شابة مع بقاء القيادات الكبيرة كناصحين ؟؟ .

قيادات الاخوان لا ينطبق عليها ( شاخت فى مواقعها) لان هذا ظلم لمن افنوا حياتهم فى سبيل الدعوة وليس من العدل ان نطلب منهم ترك الاخوان والمطلوب من شيوخ وكبار السن داخل الاخوان اتاحة الفرصة امام الشباب وهم بالفعل يسمحون للشباب بالمشاركة فى الراى بالقدر الذى تسمح به الظروف التى تعيشها الجماعة .

س : ما هو رأى الاخوان فى تداول السلطة لو قدر لهم ان يصلوا الى الحكم وهل سيسمح الاخوان للحزب الشيوعى بمزاولة نشاطه علما بان افكاره إلحادية وليست علمانية فقط ؟؟ .

الإخوان يرون ان رأى الأمة هو اساسي فى تولى السلطة وبالتالى هى مع تداول السلطة الذى يتم عبر صناديق الاقتراع والاخوان مع الحكم الدستورى النيابى الذى يعمل على الفصل بين السلطات ويجعل المجالس النيابية رقيبة على اداء الحكومة ، وان تمتلك القدرة على عزل تلك الحكومة والتصويت ضد هذه الحكومة اذا أخطات ، وهذا يعنى ان الإخوان مع تداول السلطة والقضية تحتاج الى تأصيل فقهى يؤطر التفاصيل لان البعض يتصور ان الاسلاميين اذا وصلوا الى السلطة فلن يسمحوا بأى انتخابات حرة او تداول للسلطة وهذا خطأ.

والإخوان يعتقدون ان البقاء فى السلطة عكس الارادة الشعبية هو ( نقض للبيعه) وهو راجع لأحد أمرين : اما ان الحكومة التى تطبق المنهج الاسلامى فاشلة وبالتالى فمن حق الشعب ان يختار حكومة غيرها تطبق منهجا اسلاميا اخر . واما ان الشعب نفسه يرفض الاسلام وهذا مستحيل انما الذى يمكن ان يحدث هو ان الشعب يرفض التطبيق الموجود من جانب السلطة التى تطبق المنهج الاسلامى .

وبالنسب للسماح للحزب الشيوعى بالعمل فى ظل التعددية الحزبية فاذا كان هناك شيوعيون متمسكون بالفكر الشيوعى القديم الذى يؤمن بالالحاد فان الاخوان يرون ان الاحزاب تنشأ فى ظل الدستور الذى ينص على مبادئ وقواعد اساسية بخصوص المجتمع ولا يوجد حزب يخرج عن هذه المبادئ والدستور الحالى لا يسمح بوجود احزاب إلحادية بل يشترط قانون الاحزاب الحالى فى مصر انه لابد من موافقة اى حزب على ان الشريعة الاسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع ، فهذا ضابط من ضوابط انشاء الاحزاب .

اما اذا خرج الحزب عن القواعد العامة والاحوال العامة والدستور فى مصر فالفيصل عند الاخوان هو القضاء المستقل وليس للحكومة حتى ولو كانت تلك الحكومة حكومة اسلامية ، والضمان الحقيقى لكل الافكار ان تحترم هي ارادة الشعب وعقيدته ونظامه العام ولا يوجد مستقبل لاى حزب إلحادى فى بلد مسلم وعلى من يريد ان يزاول نشاطا مجتمعيا من الشيوعيين ان يراجع افكاره لتتفق مع الاراء السائدة المجمع عليها من الشعب ، والاسلام لا يمنع ان يكون هناك ملحدون لانه لا اكراه فى الدين لكن حزبا يدعو للإلحاد هذا لن ينشأ اصلا لان افراده لن يجرؤا على الاعلان عن إلحادهم .


س : من الواضح ان الاهتمام عندكم بالكم وليس الكيف ؟ .

هذا غير صحيح فالاخوان يهمهم جدا النوعية وليس العدد بدليل المنهج التربوى الصارم للجماعة ولكن قد يكون هناك حرص على زيادة المناصرين للجماعة وهذا شئ تحرص عليه جميع التيارات ولكن داخل الصف الإخوانى هناك تركيز خاص على الامور التربوية وهى امور تتعلق بالكيف وليس الكم وهذا يميز جماعة الاخوان عن غيرها من الجماعات

س : يلاحظ اهتمام الإخوان بالسياسة واهمال تربية الاعضاء التربية السليمة لذلك ينخرط فى صفوفهم الضعاف الذين يشوهون صورة الجماعة ؟؟

نحن نقبل هذا التنبيه ونسأل الله سبحانه وتعالى ان يصلح احوال الإخوان جميعا وجميع المسلمين ونظرا للظروف الراهنة التى تحظر العمل السياسى لجميع التيارات فهذه فرصة للإخوان للاهتمام بالجانب التربوى والجانب الخلقى والعبادى فى سلوكهم وان ينتفع الاخوان بكل نصائح محبيهم .

 س : فى الاونة الاخيرة هناك من يتصدرون العمل الاخوانى وهم ليسوا أهلا له ويتبعون أساليب قديمة تعرضهم للنقد والاضطهاد الامنى فهل هناك حل لتلك المشكلة ؟؟

الحقيقة انه فى ظل الظروف الصعبة الموجودة هذا النقد فى محله ولكن المصابرة والاصرار على النشاط والعمل سيجعل هذه النوعيات وهذه الاساليب تتغير بمرور الوقت ، والحل هو في الحرية ، حرية النشاط والعمل ، وهذا فرصة للتصحيح الذاتى والنقد وقبول النقد من الاخرين .

س : هل هناك إمكانية فى تغيير الاخوان لنهجهم الحالى لمسايرة التغيرات الدولية والمحلية ؟؟ .
الإخوان المسلمين يواجهون معضلة كبيرة فى ظل الضربات الامنية ومنع الكثير من القيادات من السفر لكى يكون هناك تواصل بين الاخوان وكل العاملين فى الحركة الاسلامبة العاملة على المستوى الدولى هناك متابعة من جانب الاخوان وغيرهم لهذه التطورات المتلاحقة على صفحات الانترنت والفضائيات ولكن هذا شى قليل واعتقد اننا مقصرون ونحتاج للكثير من الفاعلية والتغيير لمواكبة هذه التغيرات المتلاحقة .

س: لماذا لا تنشط الجماعات الاسلامية فى العالم العربى وتتوحد وتكون فيما بينها احد الاحزاب النشطة المعترف بها بدلا من ان تحارب من قبل الجميع سواء من الداخل او الخارج ؟ وكيف يسهم الشباب العربى المسلم فى ذلك ؟؟

ما تطالبين به أمل ، والإخوان المسلمون فى منهجهم وموقفهم من الهيئات الاسلامية يقوم على التعاون ، ونتبادل معهم الحب والاخلاص ونسعى للتعامل والتواصل معهم ولكن التعددية فى العمل الإسلامى شئ معترف به ، واكثر شى يزعج خصوم الحركة الاسلامية ان تتحد الجماعات والحركات الاسلامية فى عمل واحد وهناك حرص شديد من جانب الحكومة على اذكاء بذور الفرقة والخلاف فيما بين هذه الجماعات وللاسف هناك من يستجيب لذلك من جانب بعض الاسلاميين ويقوم بتضخيم قضايا لا تستحق التضخيم على حساب وحدة الصف ووحدة العمل ويمكن للشباب المسلم ان ينصح من يختلفون حول الجزئيات وان يفهم الاسلام الفهم الصحيح ، وان الاسلام يحترم الخلاف في الرأي والتعددية في وجهات النظر وهذا الخلاف ينبغى الا يؤثر على وحدة العمل الاسلامى .

س : ما موقف المسلمين من الغرب ، وماهو دورهم تجاه ما يحدث في فلسطين ، حيث يتعرض الفلسطينيون للابادة من جانب القوات الصهيونية ، وما دور المسلم تجاه هذه الاحداث حتى لا يسأل يوم القيامة ؟؟ .

كل مسلم له دور يمكن ان يسهم به فى نصرة قضايا أمته ، ويبدأ هذا الدور بالتمسك بالاسلام ويعض عليه بالنواجز ، وان يتحول الى نموذج عملي بسلوكه وتصرفاته للدعوة للاسلام ، وان يدعو الى الاسلام بقدر ما يستطيع ، وان يقوم بالتوعية بما يحدث للمسلمين في كل مكان خاصة في فلسطين المحتلة ، هذه التوعية تقتضي الفهم والإحاطة والمتابعة المستمرة وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم " من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم".

س: لماذا تتمسك الحركة بمنطق الإبقاء على حالها كتنظيم وتنحو منحي الاستنكاف من إمكانية التحول إلى حزب سياسي يعمل وفق الدستور والقوانين المعمول بها في الدولة ، ولماذا هذا الاستعلاء والتأفف ؟ وما هو تفسير موقفكم من حزب الوسط. لماذا عارضتم القيادات الوسيطة مثل " أبو العلا ماضي " من تجديد الرؤى داخل الجماعة ؟ لماذا خذلتموهم و اضعفتموهم امام السلطة ، رغم أن حزب الوسط حال تأييدكم له يمثل مخرجا من مأزق العمل السري الذي ما انفكت الدولة تتخذه ذريعة لمطاردة قيادات الجماعة ؟

ليس هناك استعلاء أو تأفف فالإخوان أعلنوا على لسان نائب المرشد المستشار مأمون الهضيبي استعدادهم للتحول إلى حزب سياسي ولكن الدولة هي التي ترفض ذلك بإصرار ، والإطار الحزبي هو خيار الجماعة .

وبالنسبة للموقف من "حزب الوسط" فنحن لم نقف ضد ذلك ولكن الرفض جاء من جانب الدولة وحدث خلاف حول التصعيد القضائي ضد هذا الرفض ، ولم يخذل الإخوان الشباب أو يضعفوا من موقفهم ولكن السلطة هي التي ترفض الجميع والإخوان ليس لديهم عملا سريا ولا يعانون من مأزق العمل السري بدليل أنهم يطالبون بالتحول إلى حزب سياسي يعمل في العلن ويشارك في كل الانتخابات والعمل الشعبي العلني ونسعى لاكتساب الوضعية القانونية من خلال القضاء ولكن الدولة كما سبق وقلت هي التي ترفض ذلك بشدة .

س : نحن هنا في حاجة إلى علماء على اطلاع واسع بما يدور في العالم الإسلامي وأوروبا حتي يعلم المسلمين ما عليهم تجاه المجتمعات التي يعيشون بها ؟ .

أضم صوتي إلى صوتك ولكن الحملة ضد الإسلام والمسلمين الآن ضارية من جانب الولايات المتحدة والغرب إلى جانب القيود التي تمنع قادة الجماعة من السفر إلى الخارج للالتقاء بالشباب وتوعيتهم بأحوالهم ،، والعمل الإسلامي في أوروبا الآن في حالة حصار مثلما الحال في بلادنا العربية والإسلامية ، ونسأل الله تعالى ان يرفع الغمة عن العالم الإسلامي وهناك مؤتمر في 20/9/2002 سيعقد في سويسرا حول" وضع المسلمين في أوروبا ومستقبل هذا الوجود " أرجو أن تشارك فيه وكل من يحرص على الوجود الإسلامي في الغرب.

س: ما ردكم على أن الإخوان لم يحققوا أي إنجاز وأنهم يداهنون الحكومة ، وأن الإخوان سبب انتكاسة الحركة الإسلامية في مصر ، وأنهم أضاعوا فرصة التزواج بين السلطة والحركة الإسلامية عن طريق رفضهم دخول حكومة عبد الناصر ؟؟ .

الإخوان حققوا بقاء المفهوم الصحيح والمتكامل للإسلام حيا في وجدان الأمة الإسلامية وحضور الإسلام في الحياة بحيث أصبح هو الهم العالمي الآن ، والحكومة تقوم باعتقال الإخوان فكيف تعتقل الحكومة من يداهنونها ؟! ، والوضع الطبيعي هو إعطاءهم المناصب والعطايا وليس إيداعهم في السجون ومحاكمتهم عسكريا .

وبالنسبة للشق المتعلق بإضاعة الإخوان فرصة التزاوج مع السلطة في عهد عبد الناصر فإنه من فضل الله تعالى على الإخوان انهم لم يشاركوا في حكومة عبد الناصر أو من جاء بعده ولم يكن من مصلحة الإسلام ولا حركة الإخوان أن يشاركوا في حكومة مستبدة ، ولو ارتبطوا بتلك الحكومة لقضى ذلك على مصداقيتهم ومطالبتهم بتحكيم شرع الله وإقامة العدل والشورى .

ذهب نظام عبد الناصر ولم يعد له وجود حتى أن أنصار عبد الناصر يتهمون السلطة الحالية بأنها انقلبت على فكر ومنجزات عبد الناصر ، بينما بقى الأخوان حتى الآن أمل للمسلمين وحلمهم في إقامة نهضة حضارية شاملة على أساس الإسلام.

س : ما هو وضع جماعة الأخوان في مصر وكم يقدر عدد أنصارها ؟.

لا أستطيع تقدير عدد أنصار الإخوان لكن من خلال الانتخابات العامة التي جرت سابقا نستطيع أن نؤكد أن للإخوان حضورا قويا في الشارع المصري وهم تقريبا القوة الشعبية والسياسية الأولى في مصر حتى داخل النقابات ، والإخوان أكثر الناس تعرضا للقمع والاعتقال والمحاكمات ورغم ذلك يظل وجودهم هو الأقوى مقارنة بالتيارات السياسية الأخرى داخل مصر .

د. عصام، ما حجم تأثيرات أحداث 11 سبتمبر على جماعة الإخوان المسلمين بوصفها كبرى الحركات الإسلامية؟

-خسائر الإخوان كانت قليلة إذا قيست بباقي الحركات، خاصة في السنة الأولى اللاحقة للأحداث

وكيف ذلك؟

-أعني أن الهم الأمريكي نصب بالأساس على الطرف الذي وجهت له الاتهام مباشرة، أما باقي الأطراف فإما تم تأجيلها أو هي تحت الرقابة إذا صح التعبير لتحديد موقفها بشكل نهائي.

دعنا نتحدث عن الإخوان المسلمين بشكل محدد..

-بداية هناك تياران رئيسيان داخل الحركات الإسلامية: التيار السلمي، وهو الذي يعبر -من وجهة نظري- عن طموحات عامة الشعوب الإسلامية في استئناف حياة تتوافق مع العصر، وتستطيع أن تقدم الإجابة حول أسئلة كثيرة تدور في أذهان الناس فيما يخص الاستقلال والتنمية والعدل والشورى، وهذا التيار تمثله جماعة الإخوان المسلمين أفضل تمثيل.

والتيار الثاني التيار الرافض المتبني لسياسات العنف في التغيير، وهو صاحب خطاب متشنج، وأنا أعتقد أن هذا التيار الأخير ليس له مستقبل.

بالنسبة للإخوان المسلمين فأنا أعتبر أن أكثر خسائرهم جاءت فيما يتصل بالقضية الفلسطينية؛ باعتبار أن ما يحمل عبء المقاومة الرئيسية في فلسطين الآن هي المقاومة الإسلامية، وفي القلب منها "حماس" التي تعتبر امتدادا لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، كذلك الوجود الإسلامي الحركي في أوروبا وأمريكا وبخاصة الأخيرة، وهو وجود إخواني بالأساس. صحيح أنه طرأ عليه في السنوات الأخيرة وجود حركات أخرى، ولكن الأساس كان الإخوان، وهذا الوجود تعرض ويتعرض لانتكاسة، ولكنه قابِلٌ للتعافي سريعًا خاصة إذا أخذ بنصائح علماء الأمة المخلصين بأن يركزوا على كونهم مواطنين أوروبيين وأمريكيين بالطبع دون الانفصال التام عن هموم الأمة، ولكن عبر أولويات مختلفة عن أولوياتنا نحن في الشرق، وسيبقى تأثر هذا الشكل من الوجود قليلا إذا قيس بتأثر حماس، على سبيل المثال.

أما عن الوجود الإخواني في الدول العربية والإسلامية.. فأنا أرى أنه لم يتأثر كثيرا؛ لأن خطابه المعتدل وإدانته للحدث ووقوفه من البداية ضد هذا التيار الرافض وضد العنف وهو الذي حمى هذا الوجود وهو الذي سيؤدي -في النهاية- إلى أن يستمر في النمو، وهو ما حدث في انتخابات المغرب والجزائر وأخيرا في باكستان.. فهناك صعوبة ملحوظة لهذا التيار. وأستطيع القول بأن الإخوان خرجوا من هذه الأحداث أكثر قناعة بصحة موقفهم الداعي إلى العمل السلمي الدعوي والتربوي والتغيير عبر القنوات القانونية والدستورية، ولكنهم يحتاجون بعد حسم هذا الأمر بصورة نهائية إلى اجتهادات كثيرة.

ماذا تعني بقولك: "حسم هذا الأمر بصورة نهائية"؟ ألم يحسم الإخوان -من وجهة نظرك- فكرة التوجه السلمي؟

من خلال معايشتي لأفراد كثيرين من الإخوان رأيت أن هناك من يقبلون على العمل السياسي بروح موسمية، وليس بروح تعتقد أن هذا هو النضال الأساسي والدستوري الذي أوصى به مؤسس الجماعة الإمام حسن البنا من أجل التغيير.

تقصد روحا صورية وليست موسمية؟

لا أقصد صورية، ولكن أقصد موسمية؛ بمعنى أنهم يمارسون السياسة -على سبيل المثال- في موسم الانتخابات، وليس لأنهم يثقون في أن هذه الانتخابات ستؤدي إلى التغيير ولا على أساس أنها تعتبر خطوة في طريق التغيير؛ وذلك لأن التغيير عبر الانتخابات مسدود، وهذا مأساة في حد ذاته يزيد المعاناة لدى الشباب؛ فهم يرون في الانتخابات -مثلا- أنها ستؤدي إلى مزيد من الدعم الشعبي الذي تحتاج إليه كل مؤسسة سياسة، ومزيد من الأنصار الذين يحتاج إليهم كل تنظيم حركي، ومزيد من فضح ممارسات النظام الحاكم "اللي همه بيقولوا عليه فاسد من البداية"، هذه ممارسة -من وجهة نظري- موسمية، وليست عملا سياسيا تراكميا يؤدي مع الوقت إلى تغيير سلمي.

ولكن هذا لا يسمى موسميا، ولكن يسمى صوريا، ثم إنني أسألك عن قضية عدم حسم التوجه السلمي والتغيير عبر الدستور. وبعبارة أخرى: ما هو البديل الذي يطرحه الذين لم يحسموا بعد؟

البديل عند هؤلاء طريق من اثنين؛ إما معجزة تأتي من السماء فتحدث عملية التغيير المنشود، أو قوة أخرى غير الإخوان تقوم بأي طريق بإحداث عملية التغيير؛ هذا لأن الإخوان قد حسموا بشكل نهائي مسألة ترك العنف.

ولكن ما أدراهم أن التغيير الذي تقوم به قوة أخرى لا يأتي بانتكاسة وليس بانفراجة؟

-هذا ممكن الحدوث.. بل حدث فعلا، وعانى منه الإخوان عندما شاركوا في دعم انقلاب 1952؛ فهم عندما شاركوا في هذا الانقلاب كان ذلك انحرافا عن الخط الأصيل الذي رسمه الإمام حسن البنا، وهو التغيير الدعوي والتربوي السلمي في ظل الإطار السياسي والدستوري للأمة بعيدًا عن اللجوء إلى الانقلاب العسكري.

إذن يمكن القول بأن الإخوان لم يحسموا خيارهم في التوجه نحو التغيير السلمي والدستوري بنسبة 100%؟

هناك أسباب لعدم الحسم.. فالإخوان حسموا قضية العنف بكل جوانبها بصورة نهائية، أما حسم خيارهم في التوجه نحو التغيير السلمي عبر الأطر القانونية والدستورية؛ فيجب أن يتوافر له عدة شروط، أهمها السعي بجد وإخلاص نحو إصلاح المناخ الدستوري والسياسي كله، ويجب أن يقنع الإخوان أنهم ليسوا قوة ضمن قوى تنادي بالإصلاح.. بل يجب أن يكونوا القوة الأساسية التي تنادي بالإصلاح السياسي والدستوري عبر آليات كثيرة.

وما هي هذه الآليات؟

كأن تصل بالناس عبر عمل سياسي دؤوب إلى حالة العصيان المدني -مثلا-، أو تخلق مناخ حرية في المجتمع يفتح الباب أمام التغيير السلمي عبر صناديق الانتخابات لنسد الطريق أمام كل الطرق الأخرى التي ينادي بها البعض. النقطة الثانية والجوهرية هي الاقتناع بالتحول نحو العمل السياسي المؤسسي، قضية الحزب على سبيل المثال وهذه مرتبطة بالأولى.

ولكن التحول للعمل السياسي المؤسسي بالنسبة للإخوان يمثل مشكلة على الصعيد الفكري والمنهجي؟

الإخوان لديهم ارتباك في هذه النقطة.. فمثلا في الجزائر تحول الإخوان إلى حزب، ولم يعد لديهم ازدواجية، وفي اليمن كذلك، ولكن في الأردن على سبيل المثال لم يزل هناك المؤسسة الحزبية تعمل كواجهة للجماعة.

وأنتم هنا في مصر تميلون إلى هذا النموذج؟

بالقطع لا، فأنا أعتبر أن حوارات الداخلية في مصر حسمت هذا الموضوع تماما؛ فالاتجاه العام أن تتحول الجماعة بشكل كامل إلى مؤسسة حزبية، هناك أناس ما زالت لديهم تحفظات؛ فهم يثيرون -على سبيل المثال- إشكالية الوجود الدولي للجماعة وطبيعة مهام المرشد.. فهل المرشد يدخل الحزب أم لا؛ باعتباره مرشدا للإخوان في العالم كله وليس مصر وحدها؟ هناك تخوف شديد من مثل هذه الأمور. أيضا على سبيل المثال هناك أناس مقتنعون ببعض المقولات التي قالها الإمام حسن البنا في توقيت معين؛ لذا فأنا واحد من الذين طالبوا مرارًا بدراسة التجارب الحزبية للإخوان في اليمن والجزائر والكويت.

دعنا مؤقتا في قضية حجم القناعة بالتحول للعمل المؤسسي الحزبي داخل الجماعة.. كم بالمائة مقتنعون في رأيك بهذا الاتجاه؟

لو تحدثنا عن القيادات فيمكنك القول بوجود أغلبية 60 إلى 70% في صالح التحول إلى مؤسسة حزبية، أما إذا تحدثت عن القاعدة فستجد الأمر مختلفًا؛ لأن ذلك يحتاج إلى تهيئة سياسية.

ولكن لماذا يشاع أن العكس صحيح، وأن هناك مطالبات دائما من القاعدة للقيادة بالتحول للعمل السياسي المؤسسي مسايرةً للتطور وحمايةً للدعوة؟

- هذا غير صحيح؛ فالقيادة أكثر تفهمًا للمتغيرات السياسية، ولكن القاعدة -كما قلت لك- علاقتها بالسياسة علاقة موسمية.

ولكن هل من الممكن التواصل عبر المناقشة إلى شيء إيجابي حاسم في هذا الاتجاه (العمل السياسي المؤسسي)؟

- كيف يناقش أناس وهم مطاردون؟! أعضاء مكتب الإرشاد تتخاطفهم السلطة كل شهرين أو ثلاثة، واحدا وراء الآخر، ثم يُسجنون ويخرجون من السجن ليعودوا مرة أخرى. الحوار بيننا غير متصل والظروف غير طبيعية، وعندما تأتي أمامك تجربة مثل حزب الوسط؛ توضح بما لا يدع مجالا للشك أن رأي القيادة بأن الطريق مسدود الآن أمام إنشاء حزب في هذه الظروف كان الرأي الأصوب؛ بدليل الإخوة في حزب الوسط طرقوا الباب مرتين، ورُفض طلبهم.

من الجائز أن الحكومة تريد الإخوان كجماعة وليس كمجموعة منهم؟

كان من الممكن إعطاء مؤشرات على هذا (ضوءًا أخضر يعني).

دعنا نرجع لموضوع الأفكار والجماعة.. فقد سمعنا أنك تقدمت بمراجعات، أو قلت: إن الجماعة بحاجة إلى مراجعة فرضتها أحداث 11 سبتمبر.. ما هي الأطر العامة لهذه المراجعات؟

نعم طرحت أربعة أطر للمراجعة تربويا وسياسيا ودعويا واجتماعيا.

ليتك توضح رؤيتك تفصيلا في كل إطار على حدة.

تربويا: نحتاج إلى أن نتخلص من فكرة تغليب الجانب التنظيمي على الجانب الدعوي؛ نتيجة للضغوط الأمنية؛ فنحن نحتاج إلى الاعتراف بوجود الآخر بكافة تنويعاته، والاستعداد لتفهم الآخر والتفاهم معه، وأن نسمع له ونسمعه، وأن نصل إلى قناعة أننا لن نصبح جميعًا نسخة واحدة، وأنه سيكون حتمًا هناك اختلاف، وأننا يجب علينا احترام هذا الاختلاف، وبالتالي نصعد لمرحلة أكبر، وهي مرحلة التعاون مع هذا الآخر.

والسبب في حاجتنا الشديدة الآن لهذه المراجعة أن المناهج التربوية داخل الجماعة لا تعود إلى عهود الحرية في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، ولكن تعود إلى عهود المحن، وهذه العهود كانت شديدة القسوة على الإخوان، وخلقت داخلهم تصورًا خاصًّا للآخر ما زال ماثلا في أذهان البعض، وهو ما جعل هذه المناهج التربوية تنظر للآخر على أنه ذلك الذي يريد سحقنا وقتلنا وإنهاء وجودنا.

ماذا عن الإطار الثاني (الإطار الدعوى)؟

نحن نحتاج خطابا أكثر تسامحا بين الأفراد داخل الجماعة، وهذه نقطة مهمة، وهذه آفة انتقلت إلينا نتيجة غلبة الفكر السلفي في فترة السبعينيات والثمانينات؛ فالفكر السلفي دائما متشدد، ويغالي، ويأخذ بالأصعب في أمور الفقه. ونحن نحتاج إلى أن نفهم أن هناك مسلمين عاديين متدينين ومتفاوتين في تدينهم. والإخوان زمان قبل أن يطفو الفكر السلفي إلى السطح، ويشتد عوده كانوا متسامحين جدا. الآن ونتيجة غلبة الفكر السلفي وُجد في صفوفهم التشدد، نجد هذا في مصر وخارج مصر، وكأننا داخلون في حالة تنافس مع هؤلاء الذين يحبون أن يأخذوا أنفسهم بالتشدد والعزيمة، تاركين عموم الساحة الإسلامية الأقل التزاما؛ لذا فالخطاب الدعوي يحتاج إلى كثير من التسامح حتى نأخذ الناس بالرفق.. فدعوتنا ليست منغلقة على نفسها، ولكنها موجهة أساسا للناس.

الإطار الثالث!

سياسيا، أعتقد أنه آن الأوان لتطوير برامج الإخوان وخطط عملهم لاعتماد المصالحة مع النظم الحاكمة والمشاركة مع القوى السياسية. وهذا شرط أساسي للإصلاح.. فلا يمكن أن يتم أي إصلاح دون تحقيق نوع من الهدوء في العلاقة بين الإخوان والنظم الحاكمة في البلاد التي يسود العلاقة توتر مع النظم. هناك أيضًا الاتفاق مع القوى السياسية الأخرى حول برامج للإصلاح، وأنا من دعاة المراحل الانتقالية؛ يعني لازم تكون فيه مراحل انتقالية؛ لأن هناك شبابًا كثيرًا مسلمًا يتصور أن الإسلام سيطبق هكذا فجأة.. فهذا الكلام ينافي حتى مجريات التاريخ نفسه، كما ينافي أيضا مبادئ الإخوان للتدرج.

وأنا أعتقد أن أحداث 11 سبتمبر فرضت ذلك فرضًا، ولكن النظم تقرؤها بطرق مختلفة، والشعوب تقرؤها كأنها قدَر محتوم يجب أن يحدث؛ ولذا فأنا أدعو أن يكون فعلنا إيجابيًّا في طرح المبادرات أمام الأوضاع الصعبة التي نعيش فيها كي نستطيع أن نقف أمام تيار عنيد اسمه أمريكا يريد أن يقود العالم إلى أوضاع يفرضها بالقوة، وبالتالي فأنا هنا محتاج لكل الأيادي.

كيف يمكن إبرام المصالحة مع النظام.. ما هي الوسائل؟

الوسائل مطروحة للتفكير فيها بعمق، كيف تصل أولا؟ بمعنى إذا كان النظام -على سبيل المثال- قد قرر في بداية التسعينيات أنه ليس على استعداد لتكرار تجربة الجزائر في مصر؛ فأنا أدعوه لدراسة تجربة المغرب؛ فالمغرب يتمتع باستقرار سياسي، واستطاع أن يستوعب التيار الإسلامي، وأن يحيد التيارات الأخرى الرافضة للأوضاع كـ"العدل والإحسان"، مع اعترافنا -بالطبع- أن مصر لها طبيعة خاصة، ولكن تستطيع أن تبني وضعية خاصة معها.

دعنا نتحدث عن الإطار الرابع للمراجعة؟

اجتماعيا: فأنا أرى أن الاهتمام بالأمراض الاجتماعية التي تنتشر داخل المجتمع وتهدده يجب أن يحظى بعناية شديدة من الإخوان.. ليس فقط على صعيد التأمل والدراسة، وإنما أيضا على صعيد العلاج؛ لأنه ما معنى أن تكسب سياسيا في مجتمع يتآكل ويتفسخ وينهار (المركب كلها تغرق)؟ وبالتالي يجب الاهتمام بالمشاكل الأخلاقية والمشاكل الزوجية؛ فهناك في مصر 2 مليون مطلق، بالإضافة إلى وجود 7 إلى 8 ملايين عانس وعانسة إلى جانب مشاكل الإدمان والتطرف... مشاكل كثيرة جدا تهدد المجتمع المصري.

والإخوان، وبرغم كل ما يحدث لهم وما يتعرضون له من ضغوط يجب أن يعطوا جهدًا خالصًا لمعالجة هذه المشكلات، وتقديم حلول عملية لها، وليس شرطًا أن يتحول جسد الإخوان كله ليعمل في هذه الناحية، ولكن ليتحول أجزاء من الاهتمام بهذه القضايا، وذلك سيؤدي إلى صلاح الإخوان؛ فالإخوان يفقدون أعدادًا هائلة كل عام بسبب شروط العضوية، وأنا من أنصار أن من لا يصلح كعضو لا يجب فقده، ولكن عندما يسيطر فكر "التنظيم أولا" يحدث هذا.

العائق القانوني؛ فعندما تكون موجودا بشكل قانوني يصبح لديك شروط للعضوية. ولكن هناك أيضا سجلات للأنصار والمتعاطفين. الإخوان بحاجة الآن إلى ابتكار أشكال جديدة لاستيعاب المتعاطفين والأنصار غير الأعضاء. فمثلا لماذا لا نقوم بعمل جمعية لتيسير الزواج؟ لماذا نهتم فقط بأشياء شكلية مثل جمعيات دفن الموتى والحج والعمرة؟

هل تكفي الأطر الأربعة السابقة كمراجعة شاملة لجماعة الإخوان؟

بالطبع هناك أشياء أخرى؛ على سبيل المثال مجال تقدم الأمة بشكل عام، الناس يسمعون عن أعضاء هيئة تدريس يتم القبض عليهم منتمين للإخوان، والناس يسألون: ماذا قدم هؤلاء الأساتذة الإخوان في مجال البحث العلمي وفي التنمية؟ ولا يمكن بالطبع الارتكان بمقولة "المناخ العلمي في الجامعات مناخ سيئ"، إذن لماذا لا يقدمون شيئًا بشكل مستقل في مجال الصناعة والتنمية؟ على سبيل المثال: لماذا لا يتبنى الإخوان فكرة إنشاء قاعدة صناعية ضخمة؟ البعض يرى أن هذه أحلام، ولكني أعتبرها مشروعًا لبناء نموذج للحضارة الإسلامية.

د. عصام، بصراحة ما مدى اصطدام هذه الرؤية المتطورة بالرؤى الأخرى داخل الجماعة؟

أنا أرى أن المرحلة الحالية بطبيعتها تفرض حوارًا داخليًّا في كافة تشكيلات الإخوان وصولا للمستويات العليا؛ وذلك لأسباب عديدة: أولا- الضغوط الحكومية العديدة التي تفرض أسئلة كثيرة. ثانيا- الحالة العالمية التي تفرض على الإخوان أسئلة على المستوى الدولي والعالمي؛ فالإخوان كمدرسة ومنهج أسلوب عمل في الدعوة موجود من 75 سنة على المستوى العالمي. هناك أساليب تناقض أساليبنا، وهناك طرح خاص بعولمة العنف، وهناك أجهزة تغذي هذه الأطروحات ودول واختراقات تنظيمية هدفها تشويه العمل الإسلامي، فكيف يمكن العمل على المستوى الدولي في ظل هذا المناخ؟ وهل يجوز الاقتصار على العمل المنفصل في كل دولة على حدة؟ هذه أسئلة تطرحها المتغيرات، وتجب الإجابة عليها.

أضف إلى ذلك -من حيث الشكل- المناخ الذي خلقته ثورة الاتصالات الحديثة، وسهل كثيرا إجراء الحوارات والسماع لوجهات النظر المختلفة؛ فالإخوان الذين لا يستطيعون أن يجلسوا معًا نظرًا للظروف الأمنية لديهم مواقع على الإنترنت، ويتواصلون سويا؛ فالتفاعل قائم.. هذا المناخ يحتاج مبادرة من الدولة لخلق أجواء الحوار.

ما مدى تنفيذ تلك الرؤية؟

هذا يعتمد على عوامل كثيرة.

مثل ماذا؟

العوامل الخارجية مهمة فعندما تكون لديك القدرة على تنفيذ عدد من الأفكار، ثم تصطدم بعدد من الأمور الكابحة، مثل قانون الجمعيات على سبيل المثال، الذي يمنع الناس من أن يقوموا بأي عمل اجتماعي جاد وحقيقي.. فهنا في مصر توجد أموال وأناس مستعدون لعمل شيء حقيقي، ولكن المشكلة أن المناخ لا يسمح.

هل جربتم عمل شيء والمناخ عاندكم؟

أنا أتحدث عن واقع نعيشه جميعا، وسأضرب مثالا؛ فقد نشطت الجمعية الشرعية في مجال كفالة اليتيم، وسرعان ما أعلنت بعض الأصوات تنبه إلى أن الإخوان يعدون جيشًا من الأيتام؛ فهل هذا مناخ يستطيع أن تعمل من خلاله؟ إذن لا بد من العمل على تغيير هذا المناخ بشكل جذري.

لماذا لم تطرحوا أفكاركم في شكل مبادرة متكاملة موجهة للمجتمع أساسا حتى يشعر الجميع أن لديكم ما تقولونه، والأكثر من هذا ما تفعلونه؟

المناخ العام نفسه لا يساعد على خروج هذه المبادرة.

ولكن كيف تقوم بتغيير هذا المناخ؟

أنا أتحدث معك بصراحة؛ فأكبر المؤسسات السياسية هي المؤسسات الحزبية على سبيل المثال، وقد طالبنا منهم أن نقوم بتأييدهم ودعمهم في الانتخابات الأخيرة والنتائج لصالحهم.. قلنا لهم: إننا لن ندخل كل الدوائر ولدينا قوة تصويتية، وطلبنا منهم أن نتفق على شروط أو ضوابط أو مبادرة نعلنها معا، ولكنهم هربوا جميعا منا، ولو أن هناك انتخابات أخرى وبرغم ما حدث من نتائج فسيهربون مرة أخرى. الأمن وسياسة العصا الغليظة نجحت في خلق حالة من الخوف لدى التيارات الأخرى من التعامل مع الإخوان، على الرغم من علم الجميع وقبل أي مراجعات أن الإخوان تيار معتدل، وينبذ العنف، إلا أنهم يهربون من أي تنسيق معنا.

ولكننا نسمع عن مبادرات بين بعضكم وبين رجال أمن، ونسمع عن مفاهيم جديدة للتراضي مثلا؟

أنا أرى أن الأمر في حاجة إلى ما هو أكثر من التراضي والمبادرات الأمنية بكثير؛ فالتراضي كما فهمته هو غض الطرف، وهذا لا يؤدي إلى حل؛ لأنه هو نفسه سبب الخلل الذي نعاني منه حتى الآن؛ لأن السادات لو امتلك قدرًا أكبر من الشجاعة لكان قد سمح لكل القوى السياسية أن تؤدي دورها في المجتمع بشكل قانوني ومنها الإخوان، وكنا الآن في حالة مختلفة لا نعاني مما نعانيه من جراء مفهوم "التراضي" أو "غض الطرف".

سؤال يحتاج إلى إجابة واضحة وصريحة.. هل لو وافقت الدولة على منحكم شكلا قانونيا "رخصة حزب" فستتحول الجماعة إلى مؤسسة حزبية فعلا، أم سيكون الحزب واجهة للعمل السياسي؟

غالبية قيادة الإخوان مع هذا الرأي، وستكون هناك حلول موضوعية لأي آثار جانبية.

لقد تسببتم في أزمة كبرى للنقابات المهنية بسبب أسلوب الاستحواذ؛ مما اضطر الدولة لأن تلجأ لاستصدار قانون يحول دون وصولكم، ولكنه بدلا من هذا أصاب العمل النقابي في مقتل.. فهل لديكم فكرة عن كيفية الخروج من هذه الأزمة؟

لا يمكن أن تطالب تيارًا سياسيًّا بأن يتخلى عن حق المواطنة التي يتبعها حق الترشيح والانتخاب لحل مشكلة ما، هذا من ناحية، ومن جهة أخرى فإن مراجعة عقد كامل سيطر الإخوان فيه على العمل النقابي يقول بأن التجربة كانت لها إيجابيات كثيرة؛ فقد أحيت العمل النقابي، وعظمت من موارده، وجعلته في قلب الاهتمام وسط كافة المهنيين والقوى السياسية بشكل عام، وهذه الإيجابيات يتلاشى بجانبها أي سلبيات أخرى.

الأمر الثاني هو أنه لا يمكن القول بأن الاستحواذ في العمل النقابي سيؤذي أمن الدولة أو يشكل ضررا عليه؛ لأن النقابات تحكمها قوانين، وهي ليست أحزابًا سياسية يمكن أن تُتهم بالسعي للسيطرة على الحكم.. بل تدافع -في الأصل- عن مصالح أعضائها، وتنمي انتماءهم لها.

الأمر الثالث أن السبب الذي حدا بالدولة للخوف من النقابات هو نفس السبب الذي حدا بها لقتل التجربة الحزبية؛ فبحكم تحكم العقلية البوليسية، وبحكم التخوفات الأمنية غير المبررة لا يريدون أن يكون هناك أي حيوية في أي عمل مؤسسي، والنقابات تمتعت بحيوية كثيرة طوال عقد الثمانينات.

الأمر الرابع أننا برغم كوننا أصحاب القرار في العمل النقابي؛ فقد حافظنا على أن يكون منصب النقيب قريبًا من الدولة، كما حافظنا على وجود تمثيل للقوى السياسية الأخرى -شريطة أن أختاره أنا-؛ لأنني أعرف تمامًا أوضاع القوى السياسية؛ فلا يفرض عليّ أحد عضوًا لا أريده؛ لأن المجلس يجب أن يكون متجانسًا، وعلى الرغم من كل هذا فقد حاولنا أن نصلح قدر المستطاع والتجربة أمامنا في نقابة المحامين.

حتى هذه أنتم قلتم "المشاركة لا المغالبة"، ثم دخلتم بقائمة بها 22 منكم ومن حلفائكم؟

وكانت النتيجة أن هناك صراعًا داخل المجلس، ونجحت الحكومة في خلق فتنة من الممكن أن تعطل عمل المجلس، أو تؤدي إلى هدم النقابة وعودتها للحراسة. وهذا نتيجة استقطاب الناس؛ فأنت عندما تأتي بأحد تريد مجلسًا متجانسًا؛ لأنك لا تعمل عملا سياسيا، ولكن تقوم بعمل نقابي، وهذه وجهه نظر موجودة وتحترم.

هل يمكن القول على ضوء ما يحدث في نقابة المحامين أنه من الممكن العودة إلى نظام الاستحواذ مرة أخرى أو التجانس؟

رغم صعوبة تجربة المشاركة فأنا لا أؤيد العدول عنها، وأعتبر ما حدث في المحامين مرده إلى فوز نقيب لم يكن الإخوان يؤيدونه، قطعًا لا يوجد تجانس بينه وبين المجلس، ولو كان النقيب الآخر نجح لكانت الصورة ستكون أهدأ بكثير.

هل لديك أقوال أخرى؟

أعتقد أن صعود ونمو التيار الإسلامي في عدد من البلدان العربية كالمغرب والجزائر، والإسلامية كباكستان إشارة يجب قراءتها جيدا، وهي تقول بشكل واضح: إن التيار الإسلامي الذي يقبل بالدستور، ويقبل بالعمل في إطار القانون، ويدعو للتغيير السلمي عبر صناديق الانتخابات، والذي يقدم قراءة معاصرة للإسلام يقول بالتواصل مع الأمم والحضارات الأخرى في ندية وتكافؤ.. هذا التيار الذي يعبر عن أشواق الأمة بل المحرومين في العالم كله يستطيع بل هو قادر في خلال نصف قرن أن يكون قطبًا عالميًّا جديدًا في مواجهة القطب الأمريكي.

 

 

الصفحة الرئيسية