الشاهد للدراسات السياسية والاستراتيجية        

   
     

مواجهة الإيديولوجية الأمريكية

لا تكفي مقاطعة البضائع الأمريكية ، بل يجب مواجهة إيديولوجيتها كذلك.

فقد استولت الولايات المتحدة الأمريكية، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، على قيادة التحالف الإمبريالي المتكالب على شعوب العالم. وللحفاظ عن سيطرتها على خيرات الشعوب  اقترن الاكتساح  الاقتصادي والعسكري الأمريكي بهجوم إيديولوجي يختلف مضمونه باختلاف المناطق التي تسعى الى الاستيلاء عليها. فبخصوص المعسكر الاشتراكي روجت أمريكا لأكذوبة "الحرية والمبادرة الفردية" ومقولة "العالم الحر" كما اعتمدت على الإيديولوجية الصهيونية لتأليب يهود دول أوروبا الشرقية على الأنظمة الإشتراكية. أما بخصوص دول أمريكا اللاتينية فقد شجعت الايديولوجية الفاشية ضد الحركات التحررية ونصبت أنظمة عسكرية طاغية. أما في العالم العربي فقد عملت على تشجيع الايديولوجية الاقطاعية الماضوية واعتمدت على أمراء وسلاطين البترول لتمويل الجماعات الظلامية المناهضة للتقدم وروجت مقولات أن "الاشتراكية تعني الإلحاد" واستقطبت كما مولت فيالق من الشباب العربي ووصفتهم ب "جنود الحرية" وزجت بهم في أعمال إرهابية ضد المثقفين والطلبة الماركسيين في الجامعات العربية من بئر زيت إلى  مراكش.

 وبعد أن نجحت أمريكا في معركتها ضد الاتحاد السوفيتي وأصبحت سيدة العالم بلا منازع، دأبت في نهاية الثمانينيات على الترويج لإيديولوجيتين جديدتين: الأولى  "نهاية التاريخ" لفوكوياما، والتي تريد إقناعنا بأن النظام الرأسمالي المعتمد على الاستغلال هو آخر ما يمكن أن تتوصل إليه البشرية وأن الاشتراكية قد انتهت. ولو كانت هذه الإيديولوجية الساذجة صحيحة لظل الفراعنة يسيطرون على العالم، غير أن الهدف منها هو بث روح الانهزامية والقبول بالسيطرة الأمريكية. وفي هذا الإطار يمكن أن نفهم هوس الأحزاب المهرولة نحو ما يسمى بالاندماج في العولمة الليبرالية والخضوع لوصفاتها، كما يمكن أن نفهم كذلك نفسية المنهزمين الذين يسعون جهرا وبتعنت للتطبيع مع العدو الصهيوني الجاثم على أرض فلسطين .

 أما الإيديولوجية الثانية "صراع الحضارات" لهنتينتون موظف المخابرات المركزية الأمريكية فهي تريد أن تقنع الشعوب والطبقات المضطهدة على أن الصراع الدائر في العالم هو صراع اثني وعرقي وديني وليس بصراع بين الغنا والفقر. والهدف من ذلك هو إيهام المضطهدين على أن الصراع ليس ضد مستغليهم المباشرين بل ضد أناس آخرين تصنعها مخيلاتهم . وتستقي إيديولوجية صراع الحضارات أسسها النظرية من الصهيونية بحيث أن هذه الأخير تعتبر أن اليهود فقراء كانوا أم أغنياء هم مضطهدين في العالم وأن الحل الوحيد لخلاصهم هو الاستيطان بفلسطين التي يعتبرونها أرض الميعاد بعد أن هجروها منذ الآلاف من السنين. فاستعملت  الصهيونية الخلط بين الدين والصهيونية لاستقطاب أعداد كبيرة من اليهود  من الدول العربية ودول إفريقيا ودول أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية لإقامة المستوطنات وبناء الجيش الصهيوني واجتثاث الشعب الفلسطيني واقتلاعه من أرض أجداده بتواطؤ مع الاستعمار البريطاني والسلاطين العرب، ثم بدعم أمريكي مفضوح.

إن ربح المعركة ضد الإمبريالية والصهيونية والرجعية يتطلب من شبابنا مواجهة إيديولوجية أمريكا واعتبار أن الصراع ليس بين الثقافات والحضارات التي هي أصلا متداخلة ويغني بعضها الآخر، كما أن التاريخ لا نهاية له.   ثم إن الصراع سيضل قائما ما بين الشعوب والطبقات المضطهدة  التواقة للحرية والكرامة  وبناء مجتمع ينعدم فيه الاستغلال، وبين القوى الرأسمالية والإمبريالية والصهيونية والرجعية المهينة لكرامة الإنسان والمتسببة في الحروب والمجاعة والتخلف والإبادة الجماعية .

الصفحة الرئيسية