الشاهد للدراسات السياسية والاستراتيجية        

   
     

 

العراق.. متى؟!

بقلم  الياس حنا

-المتغيرات الدولية بين الأمس واليوم
-متغيرات 11 سبتمبر والعراق
-كيف يبدو الوضع تجاه العراق؟
-السيناريوهات الحربية المحتملة ضد العراق
-لماذا لا تخوض أميركا الحرب حاليا؟
-العراق والرد على الإستراتيجية الأميركية

تساءل العديد من المحللين عن سبب عدم دخول قوات التحالف إلى بغداد لإنهاء نظام صدام بعد إخراج قواته من الكويت. فالأوضاع كانت مناسبة تماما للإطاحة به، وعسكره كان يجرجر نفسه، واستغلال النصر هو جزء لا يتجزأ من العمليات الحربيّة، الأمر الذي يحتم ملاحقة العدو بهدف إنهائه. كما أن النظام العالمي الذي كان قائما على الثنائية القطبيّة، كان قد بدأ بالانهيار لصالح العم سام بعد أن أعلن غورباتشوف انسحاب الدب الروسي من المنافسة.

قال البعض إن السبب يعود إلى عدم رغبة الولايات المتحدة بإعادة تقسيم المنطقة، الأمر الذي قد يترك إيران الرابح الأكبر مع ما قد يحمله هذا الأمر من مخاطر الثورة الإسلامية على محيطها.

وقال البعض الآخر إن التحالف قد يتعرض للانهيار خاصة في بعده العربي إذا ما دخلت أميركا إلى قلب بغداد.

فالعرب كانوا يخافون من تقسيم العراق إلى دويلات، سنية في الوسط، وشيعية في الجنوب وكردية في الشمال. كذلك الأمر، كان العرب يخافون من مرحلة ما بعد صدام، وكيف سيبدو وجه وشكل الصراع المستقبلي مع إسرائيل خاصة وأنه لم ينته بعد.. فهل سيفرض السلم عليهم، أم أن الحل سيكون عادلا؟

وإذا ما أخذنا برأي من يعتقد ويؤمن بنظرية المؤامرة، فسبب عدم دخول قوات التحالف إلى بغداد قد يكون بهدف إبقاء هاجس الخوف من صدام جاثما على صدور الأنظمة المحيطة به، الأمر الذي يبرر بقاء القوات الأميركية في منطقة الخليج، مع ما يستتبع ذلك من مكاسب إستراتيجية للعم سام، أولها السيطرة على أهم منابع الطاقة في العالم.

أعلن بوش الأب انتهاء العلميات العسكرية ضد العراق منفردا، كما كان قد أعلن بدايتها في وقت سابق، وأيضا بطريقة منفردة. أتى إعلان وقف هذه العمليات بعد أن اعتبر بوش الأب أن الحملة العسكرية قد حققت أهدافها. فقد عاد صدام إلى بيت الطاعة، وتحررت الكويت. كما أن جيشه لم يعد يشكل خطرا على الأنظمة المجاورة. وقد اعتقد الأميركيون وقتها، وبسبب الهزيمة المنكرة لصدام أن ثورة عارمة قد تحصل في داخل العراق لتطيح بالنظام، لكنها لم تحصل.. باختصار، أدار الرئيس بوش العملية العسكرية العملانية، كما أدار عملية إنهاء الحرب في الزمان والمكان الذين يناسبا أهداف وإستراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة.

فالدول المشاركة في قوات التحالف، وعلى رأسها بعض القوى العربيّة، كانت قد اعتقدت أن صدام لن يبقى في سدة الحكم. فأتت المفاجأة غير ذلك، إذ بقي صدام واضطرت هي لاحقا (أي الدول العربية) للتعامل معه مجبرة نظرا لما يمثل العراق من عمق إستراتيجي مهم للدول العربية خاصة دول الطوق المحيطة بإسرائيل. لكنها المفارقة الآن، أن هذه الدول مطالبة بتبديل اتجاه بوصلتها السياسية جذريا تجاه العراق والعمل مجددا مع الولايات المتحدة للإطاحة بالنظام العراقي في ظروف دولية وإقليمية مختلفة عن الحرب السابقة.

المتغيرات الدولية بين الأمس واليوم

ما هي المتغيرات الدولية والإقليمية ما بين حرب الخليج الثانية، وما يعد له الآن؟

  1. سقوط المبادرات السلمية لحل القضية الفلسطينية، وعلى رأسها مؤتمر مدريد 1991.
  2. تفرد الرئيس عرفات بالتوقيع مع إسرائيل على أوسلو عام 1993، وإنهاء انتفاضة الحجارة.
  3. دخول الأردن إلى المنظومة السلمية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط من خلال اتفاق وادي عربة 1994.
  4. تعثر تطبيق ما أُتفق عليه في أوسلو، وجرجرة العملية السلمية من قبل إسرائيل، مع ازدياد قضم الأراضي الفلسطينية من خلال استمرار عملية الاستيطان الإسرائيلية. فبدلا من أن تكون الهجرة اليهودية من الضفة والقطاع باتجاه الداخل الإسرائيلي، أخذت هذه الهجرة الاتجاه المعاكس، أي من داخل إسرائيل باتجاه ما تبقى للفلسطينيين من أرض كمشروع للدولة المستقبلية.
  5. الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان العام 2000، تحت ضربات المقاومة، الأمر الذي شكل نموذجا حربيا مبتكرا لمن أراد من العرب قتال إسرائيل، والحصول على مكاسب سياسية دون أي ثمن بالمقابل.. ويقال إن إنجاز المقاومة اللبنانية كان الحافز الأكبر لبدء انتفاضة الأقصى.
  6. وأخيرا وليس آخرا، انتخاب الرئيس بوش الابن بعد أن ثبتت أميركا قيادتها للعالم وتفردها في مصيره. ويعود سبب ريادة أميركا للعالم في كونها قادرة على نشر نفوذها أينما ومتى أرادت ذلك ودون أن يتحداها أحد. فقوتها العسكرية مدعومة باقتصاد يسير الاقتصاد العالمي ويتحكم به. كما أنها تسيطر على الثورة المعلوماتية بشكل مطلق. إذ راحت القوى الكبرى تدرس إنجازات هذه القوة في حربي الخليج والبلقان لتستشرف معالم وشكل ووسائل الحروب المستقبلية. ومن تأخر منهم عن اللحاق بهذه الثورة في الشؤون العسكرية سوف يحكم عليه التاريخ حتما بالنسيان، ليتراجع ترتيبه في التركيبة العالمية.

حتى الآن، سارت الأمور على الساحة العالمية بشكل طبيعي. فالرأسمالية انتصرت على الشيوعية. وتفرد أميركا برسم معالم النظام العالمي الجديد، هو أمر طبيعي، فهي الأقوى. لكن المفاجأة الكبرى أتت مع 11 سبتمبر/ أيلول، اليوم الذي غير التاريخ. ويذكرنا هذا الوضع بما قاله لينين (بما معناه): "هناك عقود عديدة قد لا تصنع تاريخا. لكن هناك أياما قد تصنع تاريخا كاملا". فالحادي عشر من سبتمبر هو ذلك اليوم الذي غير العالم.


متغيرات 11 سبتمبر والعراق

على الصعيد العالمي، ثبتت أميركا سيطرتها على العالم. وبدلا من القيادة للعالم عن بعد، أصبحت أميركا حاضرة فعليا في المفاصل الإستراتيجية وذلك من خلال قواتها العسكريّة. عادت إلى الفلبين، وتتواجد في سنغافورة، والهند، وباكستان، وأفغانستان، وفي كل الخليج العربي، هذا عدا عن تركيا وإسرائيل.

سيطرت أميركا من خلال تواجدها القديم - الجديد على كل منابع الطاقة الأساسية في العالم.. اقتنع أيضا كل المنافسين للعم سام وسلموا بقيادته، على الأقل حتى الآن. فأوروبا تعترض على بعض السياسات الأميركية لكنها لا تعمل جادة على إجهاضها.

ودخلت روسيا أيضا في مرحلة جديدة مهمة من العلاقة مع أميركا. فالتعاون جار على قدم وساق، وفي كل المجالات خاصة التعاون النووي، والأمني عبر حلف الناتو.

أما الصين المنافس الوحيد المحتمل، فهي تبقى حتى الآن قوة كبرى إقليمية ليس أكثر، وهي في مرحلة التكون كي تصبح قوة عظمى، لكن الطريق يبدو طويلا لصعودها.

أما اليابان فهي تعاني من مشاكل اقتصادية خطيرة منذ أكثر من عقدين من الزمن، وهي ليست في وارد تحدي أميركا. فالتحدي يستلزم جعبة مليئة بأموال لا تنضب، وهذا لا يتوفر حاليا إلا للعم سام.

على الصعيد الإقليمي الشرق أوسطي، أتت حادثة 11 سبتمبر كالزلزال على العرب بشكل عام وعلى القضية الفلسطينية بشكل خاص.. وقد انصب غضب الولايات المتحدة على الدول المحيطة بالعالم العربي في المرحلة الأولى، وها هو يتجه نحو قلب العالم العربي كمرحلة ثانية.. فالعالم العربي متهم بالإرهاب، وهو مركز رعاية، حماية وتجنيد هذا الإرهاب. وهو متهم أيضا أنه يسعى للحصول على أسلحة الدمار الشامل. والخطير في الأمر أن هذين الأمرين (الإرهاب + أسلحة الدمار الشامل)، يشكلان عماد الإستراتيجية الأميركية الحالية، فويل لمن تنطبق عليه هذه المواصفات.

ماهي المتغيرات في العالم العربي بعد 11 سبتمبر؟

  1. خطاب سياسي أميركي من نوع جديد، قام على مبدأ تصنيف الدول ما بين الخير والشر. فمحور الشر يضم إيران، والعراق وكوريا الشمالية. وبعدها بفترة صدر ملحق لمحور الشر بواسطة مساعد وزير الدفاع الأميركي للتخطيط جون بولتون، عندما ذكر سوريا، وكوبا وليبيا وكأنها الدول التي تسعى للحصول على أسلحة الدمار الشامل.
  2. انعقاد القمة العربية في بيروت وتبني مبادرة ولي العهد السعودي أساسا للحل السلمي في المنطقة.
  3. تقاطع المصالح ما بين أجندة شارون، وأجندة الرئيس بوش. وقد أطلق هذا الأمر يد شارون عسكريا للقضاء على العملية السلمية في الشرق الأوسط، والقضاء في نفس الوقت على السلطة الفلسطينية، فكانت عملية الجدار الواقي.
  4. محاولة لتبديل الرئيس عرفات بعد مسخ صورته. فهو ليس مقبولا من أميركا، ولا من إسرائيل. ويبدو حتى الآن أن الرئيس عرفات قد خسر استقلالية القرار الفلسطيني، والذي سعى طوال حياته النضالية للحفاظ عليه. فترتيب البيت الداخلي الفلسطيني لم يعد من مسؤوليته لا في الشق السياسي ولا في الشق الأمني. فهذان الشقان قد أصبحا من مسؤولية أميركا، ومصر، والأردن والمملكة العربية السعودية وبالطبع بعد موافقة إسرائيل على القرارات.. ويبدو أن عملية مأسسة هذا التغيير هي على قدم وساق، خاصة من خلال ما بدى من اجتماع وزراء خارجية الدول المذكورة مع كولن باول. كل هذا يتزامن مع الوعد بإنشاء الدولة الفلسطينية بعد ثلاث سنوات، وذلك دون البحث في جوهر المشكلة خاصة في المسائل الأساسية.
  5. التركيز على حزب الله وعلى سوريا المتهمة برعايته، مع العلم أن الحزب المذكور لم يأت بشيء مخالف قد يدرج بسببه في خانة الأعمال الإرهابية. فأعماله حتى الآن لم تتجاوز الحدود اللبنانية، كما أنه تم الاعتراف به رسميا من قبل أميركا وأوروبا خلال المباحثات التي أسفرت عن اتفاق إبريل/ نيسان عام 1996. وتقود إسرائيل الحملة على سوريا متهمة إياها بأنها المحطة الأساسية للأعمال الإرهابية بين إيران ولبنان، كما تحاول إحراجها على الصعيد العالمي أثناء رئاستها لمجلس الأمن الدولي.
    وقد هدد مؤخرا أحد النواب في الكنيست الإسرائيلي سوريا بأن إسرائيل سوف تقصفها بشكل تعيدها فيه إلى أيام العصر الحجري. كما أنه يتم التركيز على الرئيس بشار الأسد وتمييزه عن والده وكأنه يلعب بالنار. هذا من جهة إسرائيل، أما من جهة أميركا فإن تصريح السيناتور بوب غراهام عن لبنان وسوريا خير دليل على ذلك، هذا عدا عن ما يحضر في الكونغرس الأميركي من مشاريع قوانين لفرض عقوبات على سوريا. هذا عدا عن اتهامها بتسهيل شحن الأسلحة للعراق عبر موانئها البحرية.

إذا يبدو أن أميركا وبسبب الهاجس الأكبر المتمثل بالإرهاب، والخوف من وقوع أي عمل إرهابي آخر داخل أميركا، تحاول أميركا حاليا تبديل بعض الأنظمة بالقوة الأمر الذي يناقض المبادئ التي قامت عليها الجمهورية الأميركية. فمن خلال التصرف الأميركي الحالي على المسرح الدولي، يبدو أنها الإمبراطورية الاستعمارية بامتياز في القرن الواحد والعشرين، بالرغم من أن الرئيس بوش كان قد قرر عدم التدخل في شؤون العالم وذلك بعد انتخابه رئيسا.

لكن وبسبب طبيعة العدو الجديد (القاعدة)، وانتشاره في أكثر من 60 بلدا، وبسبب عدم القدرة على توجيه ضربة واحدة قاضية لهذا العدو، وجدت أميركا نفسها مضطرة للتدخل أينما كان وفي تفاصيل الشؤون الداخلية لدول العالم، كل الدول الصغيرة والكبيرة. من هنا كانت إمبراطورية إمبريالية بالرغم عنها. وقعت القرعة في تغيير الأنظمة على كل من السلطة الفلسطينية، وعلى العراق. في الشق الفلسطيني، يبدو أن التغيير قد أصبح في مرحلة متقدمة. أما بالنسبة للعراق فيبدو أن القرار السياسي الأميركي قد اتخذ، وانتقلت الأمور إلى مرحلة التخطيط وبناء التحالفات اللازمة.

كيف يبدو الوضع تجاه العراق؟

بعد كل هذه التصريحات الأميركية والمتعلقة بالحرب على العراق، ووضعه على لائحة محور الشر، أصبحت أميركا ملزمة بالتنفيذ. فالمصداقية أساسية الآن للعم سام، إذا وعد نفذ. وإذا هدد ضرب، خاصة بعد أن فقد صورته الردعية عقب حادثة 11 سبتمبر.. فكل تراجع حتى ولو كان بسيطا، سوف يفسر من قبل أعداء أميركا وكأنه مؤشر ضعف وعدم تماسك ووضوح في الرؤية الإستراتيجية. ويتساءل البعض هل من الضروري لأميركا أن تجد عذرا لضرب العراق، كعدم السماح للمفتشين من دخول ترسانته المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل؟ بالطبع كلا، وكما قلنا فقد اتخذ القرار دون سبب، خاصة بعد أن فشلت الاستخبارات الأميركية في ربط محمد عطا منفذ ومخطط عملية 11 سبتمبر بالاستخبارات العراقية. فماذا عن الاستعدادات؟.

يستطيع الرئيس صدام حسين أن يستعد كما يشاء، فالوقت متوفر لأن عنصر المفاجأة لم يعد موجودا. فأميركا قد أعلنت عن نيتها بشكل علني منذ فترة بعيدة. وسربت العديد من الدراسات والسيناريوهات التي وضعها البنتاغون. كما أن أميركا تحاول علنا ترتيب وضع المعارضة العراقية لمرحلة ما بعد صدام. كذلك الأمر أصبح شمال العراق الكردي مرتعا للاستخبارت، والقوات الخاصة الأميركية منذ وقت بعيد.

السيناريوهات الحربية المحتملة ضد العراق

وماذا عن الحرب؟ لقد أصبح معروفا حتى الآن شكل السيناريوهات الحربية المحتملة ضد العراق، ألسنا نحضر حروب المستقبل على شاكلة الحروب التي سبقتها (أفغانستان)؟ وقد تكون على الشكل التالي:

  1. حرب تقليدية في الأبعاد الأربعة، جو، بحر، بر وفضاء. يستلزم هذا السيناريو تحضيرات كثيرة تستلزم وقتا طويلا (من 3-6 أشهر و250000 جندي والكثير من الأسلحة الذكية وهي غير متوفرة الآن).
  2. حرب على غرار الحرب الأفغانية. أي مزيج من قوى الجو، والقوات الخاصة، وقوى محلية تغلفها وتخدمها منظومة أمنية متقدمة جدا.
  3. حرب سرية تهدف إلى قلب النظام من الداخل عبر مجموعة من الضباط. قد يؤدي هذا الأمر إلى اغتيال الرئيس صدام.

لماذا لا تخوض أميركا الحرب حاليا؟

إذا لم يكن ما يعد سرا للإطاحة بالنظام العراقي فإن أي عمل عسكري أميركي ضد العراق يستلزم ما يلي:

  1. وفاق أميركي داخلي على هذا العمل. فقد أجريت دراسة في معهد راند للدارسات تتعلق بمدى تأييد الداخل الأميركي للحروب التي تخوضها أميركا خارج أرضها. استنتجت الدراسة أن الحرب الخارجية وكي تنجح تتطلب الرد على المتغيرات الأربعة التالية:
    -الأرباح المرتقبة والمحتملة
    -إمكانية النجاح في الحرب
    -الكلفة في العتاد والرجال
    -الوفاق السياسي الداخلي (الحزبان)
  2. ترتيب تحالف دولي موافق على الحملة على العراق. وحتى الآن تواجه أميركا معارضة شرسة في هذا الإطار.
  3. ترتيب تحالف إقليمي، تنطلق منه القوى العسكرية للنيل من العراق. وحتى الآن تبدو الصورة الإقليمية على الشكل التالي:
    -أبدت السعودية معارضة شديدة للسماح لأميركا بالانطلاق من أراضيها لضرب العراق. وقد حاولت جاهدة إيجاد حل لهذا الأمر عبر تقديم مشروع سلمي للصراع العربي- الإسرائيلي، وعبر المصالحة مع العراق والتي شهدتها قمة بيروت.
    -إيران سوف لن تكون ضمن التحالف بسبب عدائها لأميركا، وبسبب خوفها من التطويق المزدوج بعد أن أدرجت على لائحة محور الشر، وبعد أن تم احتواؤها لمدة طويلة مع العراق. وهي حتما لا تريد نظاما مواليا لأميركا على غرار نظام كرزاي في أفغانستان. وهي تحس أن الضغط عليها بدأ في بحر قزوين من قبل روسيا بسبب الخلافات على حصص الطاقة في هذا البحر.
    -سوريا متهمة بالإرهاب، وبسعيها للحصول على أسلحة الدمار الشامل. وهي قد انفتحت على العراق بعد إعادة فتح أنابيب ضخ النفط عبر أراضيها. وهي متهمة أيضا بتهريب أسلحة للعراق. وهي حتما لن ترغب بنظام موال لأميركا قد يُحكم الطوق عليها من جهة الشرق، الأمر الذي قد يفقدها عمقها الإستراتيجي، خاصة وأن إسرائيل لا تزال موجودة ومعادية. كما أن سوريا ترغب وفي حال تغيير النظام في العراق أن تعرف ما هو دورها المستقبلي في المنطقة، وهل سيأتي الدور عليها؟
    -قد يكون الأردن محورا أساسيا في الحرب على العراق خاصة في منطقة الحدود المشتركة مع العراق. فهو البلد الأكثر قبولا لاستعمال أراضيه. وهو حيوي الآن للقوات الأميركية والتي من الممكن أن تنطلق من أراضيه (الشرق)، للسيطرة على غرب العراق لمنع صدام من إطلاق صواريخه على إسرائيل.
    -قد تحدث الحرب على العراق وتركيا في أسوأ أيامها. فهي بلد مفلس، ويعيش أزمة سياسية حادة. وتخاف تركيا من مرحلة ما بعد صدام، خاصة إذا ما قسم العراق الأمر الذي قد يهدد سلامة ووحدة أراضيها، ناهيك عن الخسائر المادية الضخمة التي ألحقتها بها الحرب الأخيرة على العراق.

العراق والرد على الإستراتيجية الأميركية

تقوم إستراتيجية صدام حسين ضد ما تخطط الولايات المتحدة على ركنين أساسيين:

  • الأول: منع وقوع الحرب عليه. وإذا تعذر ذلك، العمل على توريط الولايات المتحدة في حرب طويلة تستمر شهورا عديدة، الأمر الذي يؤمن الاستمرارية للنظام. لمنع وقوع الهجوم عليه، يحاول صدام تفكيك إمكانية خلق تحالف دولي أو إقليمي ضده. لذلك أسل العراق مؤخرا مبعوثين إلى الدول الغربية لحثها على عدم المشاركة مع الأميركيين. كذلك الأمر يحاول ردع الدول المجاورة له من السير في المخطط الأميركي.
  • الثاني: وهو الأهم، يحاول صدام الاستفادة من الحرب الأولى عليه، ومن ما شاهده في الحرب في أفغانستان. فنمط وشكل الحروب الأميركية الحديثة يقوم على الأمور التالية: حملة جوية عنيفة تستهدف مراكز ثقل العدو ( قيادة + تموين + مواصلات واتصالات + دفاعات جوية إلخ). تسبب هذه الحملة الجوية شللا إستراتيجيا للعدو الأمر الذي يسهل الحملة البرية، إلا إذا استسلم العدو ورضخ للأمر الواقع كما حصل في كوسوفو.

لذلك قد يعمد صدام إلى ما يلي:

  1. الحفاظ على مراكز ثقله سالمة كي تطول الحرب، وذلك عبر نشرها على مساحات واسعة إذا كانت متنقلة. أما الثابت منها فقد تعزز الدفاعات الجوية حولها.
  2. محاولة تامين سلامة أسلحة الدمار الشامل إذا وجدت كي تكون رادعا مستمرا يشكل هاجسا للمهاجم.
  3. السيطرة الأمنية التامة على البلاد خاصة في شقها الاستخباراتي العسكري الأمر الذي يسهل عملية رصد أية عملية انقلابية والانقضاض عليها.

إذا ما تمكن صدّام من تنفيذ ما ذكر أعلاه واستمر في الحكم، وإذا ما طالت مدة الحرب فإن أمورا كثيرة قد تحدث.

في الختام لا بد لنا من طرح بعض التساؤلات حول الحرب المرتقبة، خاصة وأن الحرب تعتبر ميدانا للمجهول حسب تعبير المنظر الروسي كلوزفيتز، ومنها: ماذا عن السيناريو الأسوأ؟ أي ماذا لو بدأ صدام حربه الوقائية بقصف إسرائيل بأسلحة غير تقليدية؟ كيف ستبدو الأمور بعدها؟ كيف ستتصرف إسرائيل؟ وماذا عن سلاحها النووي، فهل سيخرج من مستودعاته؟ ماذا لو قصف العراق الدول الإقليمية المشاركة بالتحالف ضده بنفس نوع الأسلحة المذكورة؟

هل لدى أميركا التأكيد الشافي أنه يمكنها السيطرة على ترسانة صدام الغير تقليدية قبل أن يستعملها؟ أهل هي قادرة على تدميرها؟ ما هو شكل العراق لمرحلة ما بعد صدام؟ ومن يضمن عدم تقسيمه؟

هل تقبل الدول المحيطة أن تسيطر أميركا على العراق من خلال نظام تنصبه هي، وتسيطر من خلاله على ثاني أكبر احتياط نفطي في العالم؟ ماذا لو نجح صدام وأغرق أميركا في حرب طويلة؟ وماذا ستكون عليه هيبة أميركا تجاه العالم والقاعدة؟

كلها أسئلة ليس من السهل الإجابة عليها، لكن المعروف حتى الآن أن أميركا قويّة جدا، والعراق ضعيف نسبيا ومستفرد، فلننتظر ردة فعل أرض المعركة لأخذ الأجوبة. لكن الذي نأمله أن لا تكون الحرب على حساب الأطفال كما في الحرب الأولى.

 الصفحة الرئيسية