الشاهد للدراسات السياسية والاستراتيجية        

   
     

 

العراق.. حسابات الربح والخسارة في القرار 1441

بقلم إلياس حنا 

 -مميزات القرار 1441
-عظمة القوة الأميركية وحدودها
-من أرضى هذا القرار؟
-..ومن أزعج؟
-القرار وتغيير النظام العراقي

أصدر مجلس الأمن يوم 8 نوفمبر/تشرين الثاني القرار 1441 والمتعلق بآلية التفتيش على الأسلحة بالعراق. أتى هذا القرار نتيجة مفاوضات مضنية قام بها وزير الخارجية الأميركي كولن باول لأكثر من ستة أسابيع. فقال البعض عن هذا الإنجاز إنه "التفتيش الذكي" بدل العقوبات الذكية حسب ما أراد باول في فترة سابقة. حدد القرار روزنامة زمنية مشددة كي يستجيب العراق، سبعة أيام لقبول القرار، 30 يوما لإعلان العراق عن ما يملك من أسلحة دمار شامل بالإضافة إلى وسائل إطلاقها، 45 يوما كي يستكمل المفتشون أعمالهم، 60 يوما لتقديم التقرير النهائي.

مميزات القرار 1441

أتى التصويت على هذا القرار بالإجماع، 15 صوتا من أصل 15. لم يكن هناك فيتو أو امتناع عن التصويت. صوتت سوريا الدولة العربية الوحيدة في مجلس الأمن على القرار.

لا تحتاج الولايات المتحدة إلى قرار ثان لشن حربها على العراق في حال حصول "أي خرق مادي" من قبل بغداد، إذ يكفي أن يناقش هذا الأمر في مجلس الأمن والاعتراف بالخرق المادي كي تحرر يد أميركا للذهاب إلى الحرب. تناول القرار إمكانية استدعاء فرق التفتيش للعلماء النوويين العراقيين للتحقيق معهم خارج الأرض العراقية، مع ضرورة تأمين سفر عائلاتهم أيضا كي لا يكونوا رهينة في يد النظام العراقي.

في الختام يشكل هذا القرار آخر فرصة للنظام العراقي قبل انفلات القوة الأميركية العمياء، وقد انعكس هذا الأمر في طريقة قبول العراق لهذا القرار. فقد ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية أن ابن الرئيس العراقي الأكبر عدي كان قد طلب شن حرب على الولايات المتحدة الأميركية في حال فشل المباحثات الدبلوماسية في الأمم المتحدة. كما طالب عدي أن يكون هناك عرب ضمن فرق التفتيش. لكن القبول كان تلقائيا من قبل العراق.

عظمة القوة الأميركية وحدودها

عكس هذا القرار عظمة القوة الأميركية، وحدودها في نفس الوقت. فالقوة الأميركية ظاهرة جلية لأنها جعلت أعلى مرجع أمني في العالم يصادق على رغبة العم سام بالأغلبية الساحقة، حتى ولو دامت عملية المفاوضات والضغوطات فترة معينة. وبدا الممانعون والمعارضون للموقف الأميركي من القوى العظمى وكأنهم عاجزون عن وقف الحملة الأميركية لذلك حاولوا استيعابها، لكن كيف؟

يشعر الأوروبيون كل الأوروبيين، خاصة القوى العظمى منهم، بالإضافة إلى القوى الآسيوية أنهم مهمشون على صعيد قيادة العالم. فهم عاجزين عن الوقوف في وجه النسر الأميركي ولا يستطيعوا في نفس الوقت الذوبان فيه. فإن هم عاندوه (أي النسر الأميركي) ذهب منفردا ليرسم وفق ما يراه مناسبا لمصالحه خريطة العالم السياسية وصورة تحالفاته. وإن هم أرادوا التعاون معه وجدوا أنفسهم عاجزين عن مجاراته في كافة المجالات، خاصة العسكرية، ليقتصر دورهم في غالب الأحيان على دور الحليف المكمل والثانوي، الأمر الذي ينعكس على طريقة توزيع الأرباح وعلى عملية اتخاذ القرار ومن يأخذه. هذا مع الإشارة إلى أنهم كلهم يسلمون بالريادة الأميركية، ويقبلون بدور شرطي العالم الذي تلعبه، وذلك لأن لعب هذا الدور مكلف جدا على كافة الأصعدة، خاصة وأن أميركا تخوض حاليا ما يسمى "الماكرو-حروب" على كافة أرجاء الكرة الأرضية.

هذا من جهة عظمة القوة الأميركية، أما من جهة حدود هذه القوة فقد شكل القرار أول عائق أمام الانفلات الأميركي. فبعد أن اتهمت أميركا أنها متفردة بقراراتها، عادت الولايات المتحدة إلى مجلس الأمن لاستصدار القرار الذي ترغب به. وهذا ما رغبت فيه أيضا كل الدول العظمى الباقية، لأن ساحة مجلس الأمن هي الساحة الوحيدة حيث تتعادل فيها القوى بين اللاعبين الكبار والعظام. فلكل منهم صوت واحد وفيتو واحد، والحكم بينهم هو شرعة الأمم المتحدة. وتعرف الدول العظمى الأخرى أنه من الأفضل لها أن تستعيد أميركا إلى مجلس الأمن وإرضائها بأي قرار تراه مناسبا، بدل أن تتركها متفلتة لتسرح وتمرح على الساحة العالمية دون رقيب أو حسيب.

من أرضى هذا القرار؟

أرضى هذا القرار كل العالم، الصغير منهم والكبير، المستفيد كذلك الأمر والمتضرر. أرضى القوى الكبرى لأنهم شاركوا أو شعروا أنهم شاركوا في صنع هذا القرار، بغض النظر إذا ما كان هناك اتفاقات سرية لتوزيع الغنائم فيما بعد. أرضى أيضا الحمائم والصقور في الإدارة الأميركية، فالحمائم وعلى رأسهم باول حققوا نصرا عندما جعلوا الإدارة تستجيب لرغباتهم بعدم التفرد بالذهاب إلى الحرب على العراق، كذلك الأمر شعر الصقور في الإدارة الأميركية أنهم استصدروا قرارا قاسيا جدا إلى درجة قد يشكل في وقت من الأوقات وخلال تطبيقه سببا للذهاب إلى الحرب. فأمر تحديد مدى خرق العراق للقرار متروك لرئيس اللجنة بليكس، فهو قد يتسبب في الحرب على العراق، كما قد يجعل الأمر يبدو طبيعيا. ويعتبر هذا الأمر مفارقة بأن يترك أمر تحديد السبب الحربي ضد دولة مهمة لشخص واحد، خاصة وأن مفاعيل هذه الحرب قد تكون وخيمة جدا.

أرضى هذا القرار كل حكومات الدول العربية، التي انتقلت من التنديد بالحرب على العراق إلى محاولة الضغط عليه للقبول بهذا القرار، كما أراحها لأنه برر موقفها تجاه شعوبها الغاضبة. تمثّل هذا الإرضاء بقرار وزراء الخارجية العرب الذي صدر مؤخرا من القاهرة خلال اجتماعهم في مقر الجامعة العربية. كما تمثل بالتفسير السوري لسبب تصويت دمشق إلى جانب الولايات المتحدة. فسوريا تعي جيدا أن الوقوف في وجه العالم كلّه مكلف جدا، كما تعرف جيدا أن المقصود من ضرب العراق هو النظام العراقي وليس شعبه، وهي ليست مغرمة بهذا النظام كما أنها تريد حفظ حقها لمرحلة ما بعد المعركة عندما يحين موعد توزيع الأرباح. أما السعودية فهي راضية، منزعجة وخائفة في نفس الوقت. راضية لأن القرار أجل الحرب وأدخل العديد من الدول في عملية اتخاذ القرار، منزعجة لأن العراق وحسب التجربة معه قد يعطي أميركا السبب الكافي للذهاب إلى الحرب. أما خوفها حتى ولو لم تحصل الحرب فقد يندرج في أنها تعي تماما أن القرار الأميركي بالسيطرة على العراق وعلى النفط العراقي قد اتخذ فعلا. وكل ما نشهده الآن هو مقدمة لذلك. وإن السيطرة الأميركية الفعلية على العراق لها انعكاسات سلبية مباشرة على المملكة، فهي تعرف أنها سوف تخسر دورها الريادي في النفط، كما تعرف أن أميركا سوف ترتد عليها بحجة القضاء على القاعدة وعلى كل مظاهر التطرف الديني الإسلامي في الداخل السعودي، الأمر الذي قد يعني التدخل في كل التفاصيل السعودية الداخلية.

أرضى هذا القرار إيران أيضا. فهي ليست على ما يرام مع النظام العراقي الذي هاجمها سابقا، واستعمل ضد مدنها الصواريخ البالستية، كما أنه يؤوي ويساعد ويمول كل المعارضين الإيرانيين للنظام في طهران، وإن ضرب العراق قد يعطي إيران لاحقا دورا إقليميا لترتيب موازين القوى في الخليج.

..ومن أزعج؟

بالإضافة إلى النظام العراقي، أزعج هذا القرار إسرائيل إلى حد ما، فهي تخاف أن يقبل النظام العراقي بكل تفاصيل القرار، فينجو بذلك العراق من التدمير، ومن يدري مستقبلا كيف تتغير الأمور ويعود العراق للسعي إلى أسلحة الدمار الشامل وتهديد أمنها.

تريد إسرائيل عراقا مهدما، محتلا من الولايات المتحدة ومسيطرا عليه من قبلها. فالوجود العسكري الأميركي في العراق على غرار ما حصل في اليابان وألمانيا عقب الحرب الثانية يعني أن إمكانية السيطرة على كل العالم العربي أصبحت مؤمنة من قبل حليف إستراتيجي لها، وإن تدمير العراق قد يضعف سوريا عسكريا واقتصاديا، كما يفتح الباب واسعا أمام أي حل تريده للمشكلة الفلسطينية. لكن أقصى ما ترغب فيه إسرائيل بعد ضرب العراق هو تقسيمه إلى ثلاثة كيانات، أو بالأحرى تقسيمه بعد ضربه على الشكل التالي:

  • دولة كردية في الشمال.
  • دولة شيعية في الجنوب الغربي.
  • دولة سنية فيما تبقى من العراق متصلة مباشر بالمملكة الهاشمية.

مكاسب إسرائيل من هذا التقسيم
يمكن لإسرائيل أن تحل مشكلة الفلسطينيين بتوطينهم أو ترحليهم إلى المنطقة السنية، كما يشكل القسم السني والتابع للأردن الحالي عازلا إضافيا لإسرائيل، خاصة وأن الأردن كان قد وقّع اتفاقية سلام مع الكيان الصهيوني. من هنا تخاف إسرائيل من قبول العراق للقرار بكل تفاصيله.

أدخل القرار 1441 ديناميكية جديدة على الوضع الذي كان سائدا قبل، فهو قد حرك كل القضية العراقية برمتها، وفتح باب الدبلوماسية حتى ولو لوقت قصير، ومن يدري ما قد يحصل في المستقبل، وما قد يستجد؟ لذلك يبقى السؤال فيما لو قبل العراق كل ما هو مفروض عليه، فماذا ستكون عليه الأمور؟ وهل ستقبل أميركا بإبقاء النظام العراقي وعلى رأسه صدام أو أحد أولاده؟

تعي أميركا أن الفشل ممنوع. فالفشل قد يعكس أو يثبت صورتها الضعيفة استكمالا لما حصل في 11 سبتمبر/أيلول 2001. والفشل قد يشجع العديد من الدول الكبرى على تحديها وعلى التفرد في تحصيل ما تراه مناسبا لمصالحها ولأمنها، فتحاول الصين استرداد تايوان، وقد تقوم كوريا الشمالية بالهجوم على الجنوب الكوري لتدب الفوضى الكاملة والشاملة في عالم تعتبر أميركا نفسها فيه مهيمنة، فيختل نمط التغيير والتحرك الذي تحاول أميركا الحفاظ عليه، فنشهد بدء ظهور مؤشرات جديدة لقيام نظام عالمي بديل. تحسبا لهذا الأمر، لجأت أميركا إلى أعلى مرجعية أمنية في العالم لتشرعن قرار حربها على العراق. لكنها في نفس الوقت تستمر في استكمال استعداداتها العسكرية كأن الحرب واقعة غدا، فإن حصل ما أرادت سلميّا شكلت قواها المتواجدة في المنطقة عاملا إضافيا للسيطرة الفعلية والمباشرة على أهم مصادر الطاقة في العالم. أما في حالة الحرب فتكون هي مستعدة.

القرار وتغيير النظام العراقي

إذا تعهدت أميركا لا يمكن لها إلا أن تنفذ، إذا هدّدت وجب عليها إظهار حزمها ونيتها الأكيدة للتنفيذ، وإذا نفذت وجب عليها إنهاء الحرب بسرعة.

في حالة العراق، توعدت أميركا وأعلنت أنها تريد تغيير النظام. وشددت خطابها إلى درجة لا يمكن لها التراجع عن محتواه الحربي. من هنا لا يمكن لها أن تقبل بأقل من تغيير النظام العراقي.

لكن السؤال يبقى في النظام البديل، وفي معرفة ما تريد أميركا فعليا، ومتى توقف أميركا الحرب وعند أية درجة؟ ومتى تعتبر أنها حققت أهدافها؟ كذلك الأمر في قدر الثمن المدفوع من الجهتين الأميركية والعراقية.

في هذا الإطار أعلنت مجموعة من الأطباء المحبين للسلام أن الحرب على العراق قد تؤدي إلى مقتل حوالي 500 ألف شخص، وإذا ما تحولت الحرب إلى النووي فإن أكثر من أربعة ملايين سوف يموتون، فهل تستأهل الأهداف الأميركية هذا الثمن؟ ممكن مع الرئيس بوش، فلننتظر.

_______________
*كاتب وباحث، محاضر في جامعة السيدة اللويزة - لبنان، عميد ركن متقاعد

 الصفحة الرئيسية