الشاهد للدراسات السياسية والاستراتيجية        

   
     

لماذا تضرب العراق ؟

رؤية استراتيجية‏:‏في السياسة الأمريكية

‏العراق‏..‏ الركن الاول لمثلث الشر"


تمثل العراق الركن الاول من اركان مثلث الشر الذي تدعيه الولايات المتحدة‏,‏ وتبرر الولايات المتحدة اصرارها علي مهاجمة العراق‏..‏ بتوجيه الاتهام اليه بامتلاك اسلحة الدمار الشامل وأن هدفها هو  منع العراق من امتلاك هذه الاسلحة التي تهدد الأمن القومي للامم المتحدة‏.‏ إما بواسطة العراق ذاته‏.‏ أو من خلال احتمال تسريب هذه الاسلحة إلي عناصر ومنظمات ارهابية لاستخدامها ضد الولايات المتحدة وحلفائها‏,‏ ويتطلب تنفيذ هذا الهدف شن حملة عسكرية واسعة النطاق‏.‏ تضم قوة تدميرية هائلة وقوات تصل إلي‏200‏ الف جندي لاسقاط النظام الحاكم في العراق‏.‏

هذا الاتهام الموجه للعراق‏.‏ والمشفوع برفضه استقبال لجنة التفتيش التابعة للامم المتحدة ومهمتها التأكد من موقف العراق تجاه انتاج اسلحة الدمار الشامل‏.‏ ليس صحيحا‏.‏ فهي لم ترفض ذلك ولكنها اشترطت معرفة المدة المقررة لعمل هذه اللجنة المتعلقة بالتفتيش علي المنشآت العراقية ذات الشأن‏.‏ كما طلبت معرفة التاريخ المقرر لرفع العقوبات عن شعب العراق‏.‏ الأمر الذي لم يقابل بأي رد من جانب الامم المتحدة أو الولايات المتحدة‏.‏ وعندما سئل‏'‏ هانز بليكس‏'‏ رئيس اللجنة المكلفة بالتفتيش علي المنشآت العراقية‏-‏ وكان يشغل منصب رئيس وكالة الطاقة الذرية بفيينا‏-‏ عن المدة المقررة وموعد رفع الحصار‏.‏ خاصة وان اللجنة السابقة قد امضت سبع سنوات متصلة في عملية التفتيش ـ أجاب بأنه لا يستطيع الرد ما لم يبدأ التفتيش اولا‏.‏ الأمر الذي اعتبرئه بغداد مبررا لعدم جدوي موافقتها علي التفتيش ما لم يتم الرد علي استفساراتها اولا‏,‏ والامر ما زال مطروحا للبحث في نطاق الامم المتحدة حتي الان‏.‏ أما علي الصعيد الدولي فهناك رفض لان يكون المبرر او الدافع الامريكي لضرب العراق هو احداث‏11‏ سبتمبر الارهابية ضد نيويورك وواشنطن‏.‏ في الوقت الذي لم يتوافر فيه اي دليل علي تورط العراق في هذه الاحداث‏..‏ الأمر الذي يفقد مبرر الحرب الامريكية ضده الصفة الشرعية‏,‏ ومن أجل ذلك لجأت الولايات المتحدة إلي البحث عن مبررات اخري‏.‏ ووجدت ضالتها في اتهام العراق بانه يمثل خطرا علي جيرانه ـ والمقصود هنا اسرائيل‏-‏ لاحتفاظه بأسلحة الدمار الشامل‏.‏ وتتدعي امريكا بانها تتصدي للعراق من أجل حماية جيرانه بل وحماية الشعب العراقي من النظام الحاكم فيه‏,‏ وهكذا تعتبر الولايات المتحدة نفسها وصيا علي شعوب العالم عامة والشعوب المجاورة للعراق خاصة دون ان يطلب منها احد هذه الحماية وعلي الرغم من رفض كل شعوب المنطقة باستثناء اسرائيل‏-‏ اي تدخل عسكري ضد دول المنطقة‏.‏

ضرب العراق والسيطرة علي بترول المنطقة‏:‏

يتطلب تحقيق الهدف الأمريكي المعلن بشأن منع العراق من امتلاك اسلحة الدمار الشامل وذلك باسقاط النظام الحاكم توفر امرين أساسيين.‏ الاول هو وجود قاعدة انطلاق عسكرية للعمل منها ضد العراق تلعب نفس الدور الذي لعبته باكستان في الحرب ضد افغانستان‏.‏ وتعتبر تركيا هي الدولة المرشحة لاداء هذا الدور الجديد‏(‏ وقد سبق ان تعرضنا تفصيلا لهذا الاحتمال في مقال سابق‏.‏ ولما تم الاتفاق عليه بين بوش وجوليد اثناء زيارة الاخير لواشنطن‏)‏ وذلك رغم ما أعلنه مسئولوها من مواقف متناقضة بعضها يؤيد الحرب ضد العراق والبعض الاخر يرفض شن هذه الحرب وفي اطار التحالف بينها وبين الولايات المتحدة ينتظر ان تقوم تركيا بهذا الدور نظرا لحاجتها الماسة للولايات المتحدة في صراعها من اجل الانضمام للاتحاد الاوروبي من ناحية اخري فهناك ارتباط استراتيجيي ثلاثي قاتم بين تركيا واسرائيل من ناحية وبينهما وبين الولايات المتحدة من ناحية اخري‏.‏ أما الأمر الثاني فهو حاجة الولايات المتحدة إلي تأييد عربي لشن الحرب ضد العراق‏.‏ ولأن العرب يرفضون شن اي عدوان ضد العراق او اي دولة عربية اخري‏.‏ وقد تضمنت قرارات مؤتمر القمة العربي الذي عقد في بيروت مثل هذا المعني‏.‏ فضلا عن أن رحلة ديك تشيني نائب الرئيس الامريكي إلي الشرق الاوسط‏.‏ قد فشلت في تحقيق هدف الحصول علي تأييد عربي سياسي بشن الهجوم ضد العراق‏.‏ ولكن العرب يدركون تماما النتائج الخطيرة لهذه الحرب والتي ستنعكس علي كل دول المنطقة سواء في شكل انفجار عسكري او تصدعات اقتصادية او صراعات سياسية مفتوحة‏.‏

هذا عن الهدف الامريكي المعلن بشن الحرب ضد العراق‏.‏ أما الهدف غير المعلن فهو يتعلق بالبترول سواء بترول الخليج عامة وبترول العراق علي وجه التحديد‏.‏ وكما قيل اثناء حرب افغانستان ان هدفها المباشر هو ضرب تنظيم القاعدة واسقاط نظام طالبان‏..‏ بينما كان الهدف غير المباشر هو احتلال موقع قوة استراتيجي في منطقة اسيا الوسطي والتحكم في مصير بترول هذه المنطقة الغنية بالبترول‏.‏ فضلا عن مواجهة النفوذ الروسي التقليدي في هذه المنطقة الحيوية‏.‏ وينطبق هذا القول علي الحرب ضد العراق‏.‏ فهناك هدف مباشر هو اسقاط النظام الحاكم في بغداد بينما الهدف غير المباشر هو السيطرة علي بترول العراق‏.‏ بحيث يشكل مع بترول الكويت ركيزة اقتصادية استراتيجية تمكن الولايات المتحدة من التعامل مع كل دول منطقة الخليج من مركز القوة‏-‏ كما يمكنها من فرض سياستها علي كل النظم في المنطقة دون قلق علي مصير صادرات البترول من ناحية اخري ففي حالة نشوب تلك الحرب‏,‏ فلابد ان توضع مواقف الجبهات الاخري بالمنطقة في الاعتبار لمعرفة المدي الذي يمكن ان تذهب اليه هذه المواقف تجاه هذه الحرب‏.‏ والمثل البارز هنا هو موقف ايران‏.‏ وهل ستقف مراقبة تنتظر تدمير العراق وفرض السيطرة الامريكية عليه‏.‏ بينما هي تعلم انها ستكون المحطة التالية في المخطط الامريكي الشامل واذا كان اسقاط نظام العراق مسألة سياسية ومعنوية للولايات المتحدة في ظل قدراته المحدودة‏.‏ فإن الأمر يختلف بالنسبة لايران‏.‏ حيث تمثل قوتها العسكرية ونظمها الخاصة باسلحة الدمار الشامل الهدف الرئيسي للولايات المتحدة‏,‏ وتسعي لمنع ايران من اعادة بناء قدراتها العسكرية الذاتية وكذا منع ايران من بناء الصواريخ البعيدة المدي والقادرة علي تهديد اسرائيل‏..‏ اذا ما فكرت في ضرب المفاعل النووي الايراني في بوشهر‏.‏

مصاعب وعقبات تواجه الغزو‏:‏

ليس ثمة شك في أن قيام الولايات المتحدة بشن الهجوم ضد العراق بشكل منفرد‏..‏ سوف تحيطه العديد من المحاذير والمصاعب‏..‏ ففي حالة مهاجمة العراق بتصرف أمريكي منفرد‏..‏ وليس في ظل تحالف دولي‏..‏ كالذي حدث في حرب الخليج الثانية‏.‏ وابان الحملة ضد افغانستان‏..‏ فينتظر أن تواجه الولايات المتحدة مواقف مفاجئة ومعقدة‏..‏ كالتي حدثت لها في حرب فيتنام‏.‏ فبدون وجود حليف مثل التحالف الشمالي في حالة افغانستان‏..‏ يصبح من المحتم ان يتحمل الجنود الامريكيين مسئولية التدخل البري ومشقته‏...‏ ومخاطر القيام بعمليات برية معقدة داخل العراق‏.‏ مثل هذه العمليات تعتبر حتمية في هذه الحالة‏..‏ وبدونها لا يمكن الاطاحة بالنظام الحاكم في بغداد‏..‏ حيث ستقع مواجهات عنيفة ومعارك ضارية مع الجيش العراقي‏..‏ فالامر هنا يختلف كثيرا عن الميليشيات غير النظامية لطالبان‏.‏ وفي ظروف عسكرية كهذه لن يكون تحقيق السيطرة الجوية فوق مسرح العلميات وحده‏..‏ كافيا لحسم هذا النوع من العمليات‏.‏ هذا يعني ان الهجوم الامريكي لن يكون نزهة بل سيواجه مقاومة عنيفة عراقية‏..‏ اضافة الي اعتراضات سياسية عالمية كبري‏..‏ في ظل عدم وجود تفويض دولي من مجلس الأمن للقيام بشن هذه الحرب‏.‏

ويحذر المحللون الاستراتيجيون الغربيون الولايات المتحدة من مغبة اصرارها علي مهاجمة العراق‏,‏ خاصة في ظل الظروف المعقدة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط بسبب ازمة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي‏.‏ وهم يقولون‏,‏ إنه ليس من الحكمة الا يستمع الرئيس الامريكي الي تحذيرات حلفائه‏..‏ ذلك لأن نمط التدخل الامريكي المنتظر ضد العراق‏..'‏ سوف يؤدي الي كارثة في الخليج والشرق الأوسط‏'..‏ ولأن جذور الارهاب في المنطقة قد نبتت بكثافة في حقلين هما الصراع العربي الاسرائيلي عامة والفلسطيني الاسرائيلي بوجه خاص من ناحية‏..‏ واعتماد الولايات المتحدة في حماية مصالحها علي بعض النظم الحاكمة في المنطقة‏..‏ المعرضة للمخاطر‏.‏ هذه النظم سوف تواجه‏-‏ عند وقوع الحرب‏-‏ مأزقا يجعل منها في نظر شعوبها مجرد نظم هيكلية‏..‏ ليس لها تأثير أو فاعلية في بلورة الشكل المنتظر لمستقبل منطقة الشرق الأوسط‏.‏
وحتي لو نجحت الولايات المتحدة في كسب حربها ضد العراق وحدها‏..‏ واسقطت نظام صدام حسين‏..‏ فماذا عن العمل السياسي الضروري بعد اسقاط النظام وهل تمتلك الولايات المتحدة القدرة علي العمل السياسي بمفردها في العراق وفي أنحاء منطقة الشرق الأوسط ؟ في هذه الحالة لابد ان تعود الي نقطة انطلاقها عند بداية الازمة العراقية في أوائل التسعينات‏..‏ والمستندة الي المرجعية الدولية‏..‏ المتمثلة في قرارات الامم المتحدة‏..‏ في ظل ائتلاف دولي مؤيد لها‏.‏ في هذه الحالة لابد ان تضطر واشنطن للالتجاء الي الأمم المتحدة لاسباغ الشرعية الدولية علي الاوضاع الجديدة في العراق‏.‏ هنا يبرز سؤال حول قدرتها علي ممارسة هذا الدور السياسي علي المستويين الدولي والاقليمي الذي سبق ان أهملتهما‏.‏ واهملت التعاون مع اقرب حلفائها في الاتحاد الأوروبي‏..‏ بل وتغاضت عن مواقف دول كبري كروسيا والصين فضلا عن الدول العربية والإسلامية.‏

السياسات المنفردة والافتقار للغطاء الشرعي‏:‏

باستعراض مواقف الدول الاوروبية المختلفة‏..‏ فسنجد أنه من المسلم به ان الحكومة البريطانية مستعدة للانضمام للحملة الامريكية‏..‏ رغم وجود معارضة داخلية قوية لموقف رئيس الوزراء البريطاني توني بلير‏.‏ اما فرنسا فلا ينتظر ان تتخلي عن معارضتها للسياسة الامريكية بشأن دول محور الشر‏..‏ وكذلك المانيا واسبانيا وايطاليا رغم اختلاف درجات المعارضة‏.‏ ان هذه الاوضاع والمواقف تصعب علي الولايات المتحدة التوجه الي مجلس الأمن الدولي للحصول علي تفويض منه للتدخل في العراق‏..‏ في ظل الفيتو الروسي والصيني المنتظر‏..‏ ليس هناك احتمال بامكان حصول الولايات المتحدة علي اي غطاء شرعي لخططها المستقبلية‏..‏ وبالتالي فان الاصرار الامريكيي علي الانفراد بالقرار والتصرف في هذا الشأن قد يؤدي الي حدوث خلاف حاد وانشقاق حقيقي بين الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي وبالتالي داخل حلف شمال الاطلنطي‏.‏ ان محاولات واشنطن لمواصلة جهودها في هذا الاتجاه والذي سيؤدي الي اتساع هوة الخلاف في وقت لم يعد الموقف علي جانبي الاطلنطي يحتمل مزيدا من القضايا الخلافية‏.‏ وهذا لا يعني تصدع الحلف ولكن ولا شك يعمق بشدة من أزمة الثقة المتصاعدة علي جانبي الاطلنطي‏..‏ ان مثل هذه الاحتمالات تتطلب من الاوروبيين عدم السماح بأن يصل الوضع الي حد ترك واشنطن تمضي وحدها‏..‏ مما يتطلب من الولايات المتحدة الا تنظر الي المنطقة‏..‏ وكأن لها حق التصرف وحدها سواء من حيث الحقوق المادية او الفكرية‏.‏ ووهنا يمكن القول ان السياسات الامريكية المنفردة الرامية لتنفيذ المنهج الامريكي العام وأهدافه الذاتية المتعلقة بالهيمنة العالمية‏..‏ سوف تدفع دول الاتحاد الاوروبي نحو البحث عما ينقصها من مكونات القدرة العسكرية الذاتية المتقدمة ليتسع الفاصل بين الجانبين في القضايا الدولية‏.‏

من ناحية أخري فان محاولة اسقاط النظام العراقي الحاكم بالتدخل الامريكي المنفرد لن تؤدي الا الي اشعال مشاعر الكراهية ضد الولايات المتحدة في المنطقة‏..'‏ وكأن مستودع الأحزان الفلسطيني بالشرق الأوسط‏..‏ ينقصه اضافة مستودعات اضافية في العراق‏'.‏ ان معاناة الشعب العربي الفلسطيني بلغت ذروتها بفعل التوحش الاسرائيلي‏..‏ ولن يقبل العالم العربي اضافة شعب عربي آخر لذروة المعاناة بفعل التدخل الامريكي‏.‏ ولا شك في ان الحفاظ علي المصالح الحيوية الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية الامريكية بل والأوروبية واليابانية في منطقة الشرق الأوسط‏..‏ يتطلب صياغة اوضاع سياسية واقتصادية وأمنية مناسبة للاوضاع الراهنة‏..‏ الامر الذي يحتاج الي وجود اجماع استراتيجي علي المستويين الدولي والاقليمي‏.‏ مثل هذا الانجاز لا يمكن تحقيقه في ظل استمرار الولايات المتحدة في تصرفاتها المنفردة مكتفية باتهام حلفائها المعارضين بالخوف والتردد‏.‏ ولعل السبب الرئيسي الذي يدفع واشنطن الي التصرف المنفرد في الشرق الأوسط هو انحيازها الشديد لاسرائيل ودعمها المباشر والقوي لسياساتها الصهيونية المرفوضة اقليميا وعالميا‏..‏ فليس هناك شك في قوة التأثير الصهيوني علي صنع القرار الاستراتيجي الامريكي‏..‏ الامر الذي سيعكس أضرارا بالغة علي المصالح الامريكية في المنطقة‏..‏ وكذا المصالح الاوروبية والعربية‏.‏

بقلم لواء أ‏.‏ح طه المجدوب
الخبير الاستراتيجي بالأهرام
ملفات الأهرام

 

 

الصفحة الرئيسية