الشاهد للدراسات السياسية والاستراتيجية        

   
     
هجمات سبتمبر افرزت حربا من نوع جديد، وبلانهاية


ادارة بوش جندت كافة امكاناتها للحرب على الارهاب، ومنحت صلاحيات هائلة لاجهزة الامن، ولا يعرف احد اين او متى تتوقف.

- من فرانك تسيلر

جندت إدارة الرئيس الاميركي جورج بوش في إطار "حربها ذات النوعية الجديدة ضد عدو من نوع جديد" ليس الجنود والجواسيس فحسب، ولكن أيضا رجال الشرطة والدبلوماسيين والمحاسبين.

ومنذ الهجمات على الولايات المتحدة يوم 11 أيلول/سبتمبر، شنت القوة العظمى الوحيدة المتبقية في العالم حملة جديدة فريدة ذات طابع عالمي ومحلي في آن واحد، كما أنها متشعبة الاتجاهات وليست لها نهاية محددة.

وفي إطار مسعاها لاستئصال جذور الارهاب، لم تجند واشنطن عشرات الدول في مختلف أنحاء العالم فحسب بل أيضا طوعت لخدمتها جميع أجهزة الحكومة الاميركية تقريبا.

وادت الحرب ضد أعداء غامضين لا يمثلوا دولا الى ازالة الخطوط القديمة الفاصلة بين مكافحة الجريمة وخوض الحروب، وبين العمليات العسكرية والاستخباراتية، وبين الامن الداخلي والخارجي.

وقال وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد في تقريره السنوي أمام الكونجرس مؤخرا "إن الحروب في القرن الحادي والعشرين ستتطلب بشكل متزايد استخدام جميع عناصر القوة الوطنية".

وفي الوقت الذي بدأت فيه القوات الاميركية القتال في أفغانستان وأبلغ فيه بوش العالم: "إما أن تكونوا معنا أو مع الارهاب"، شنت وزارة الخارجية الاميركية حملة دبلوماسية مكثفة.

وتمثلت مهمة تلك الحملة في إقناع الشعوب الاسلامية بأن هذه الحرب تتعلق بالامن وليس بالدين. وكان هذا المفهوم هو أيضا الرسالة المحورية لحملة "دبلوماسية شعبية" في العالم العربي.

وعلى الجبهة الداخلية، انتشر رجال الشرطة وعملاء مكتب التحقيقات الفدرالي (إف.بي.آي) بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر لاعتقال نحو 1.200 شخص تقريبا معظمهم من دول الشرق الاوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا في أكبر حملة اعتقالات في تاريخ الولايات المتحدة.

وأثارت حملة الاعتقالات المغلفة بالسرية، حيث لم يتم الكشف عن أسماء المشتبه فيهم أو الاتهامات الموجهة لهم، قلق جماعات الحقوق المدنية بقدر ما أقلقتهم السلطات الواسعة الجديدة التي منحت للسلطة التنفيذية في ما يتعلق بمكافحة الجريمة وعمليات المراقبة.

وأعلن بوش أيضا إقامة محاكم عسكرية سرية جديدة قد تستخدم في محاكمة 598 رجلا من 38 دولة، محتجزين حاليا ولاجل غير مسمى في قاعدة تتبع البحرية الاميركية على جزيرة كوبا، وذلك باعتبارهم "مقاتلون أعداء".

ولم توجه الاتهامات إلا لشخص واحد في هجمات 11 أيلول/سبتمبر، هو الفرنسي المغربي الاصل زكريا الموسوي الذي يقال أنه كان من المقرر أن يكون "الخاطف رقم 20"، وستبدأ محاكمته في كانون الثاني/يناير القادم.

كما نجحت الحكومة في إدانة جون ووكر لينده "عضو طالبان الاميركي الجنسية" الذي ساعد المحققين مقابل وعد بالحكم عليه بالسجن لمدة 20 عاما فقط، بتهمة مساندة أعداء الولايات المتحدة في أفغانستان.

ومن أجل تجنب وقوع هجمات مستقبلية، حصل مسئولو تنفيذ القانون على ترسانة من السلطات الموسعة، تسمح لهم بتفتيش المنازل وشبكة الانترنت والتنصت على خطوط الهاتف بالاضافة إلى سلطة احتجاز أو ترحيل المشتبه فيهم من غير الحاصلين على الاقامة في الولايات المتحدة.

وفي الوقت الذي انضمت فيه جميع الهيئات الحكومية من قوات خفر السواحل حتى مصلحة الهجرة إلى الحرب الجديدة، تولت وزارة الخزانة مهمة تجميد الاصول المالية للارهابيين في مختلف أنحاء العالم.

وجمدت الولايات المتحدة، في إطار حملتها ضد الجمعيات الخيرية والبنوك الاسلامية المثيرة للشبهات، أرصدة بقيمة 34.3 مليون دولار فيما قامت 167 دولة أخرى بتجميد 77.9 مليون دولار أخرى.

وعلى الصعيد العالمي، وفرت الولايات المتحدة التدريب العسكري وغيره من وسائل المساعدة للعديد من الدول التي تحارب الارهاب بأشكاله المختلفة، بما في ذلك كولومبيا وجورجيا وباكستان والفلبين واليمن.

وذكر اتحاد العلماء الاميركيين ذو التوجهات اليسارية أن تدفق المساعدات العسكرية الاميركية الجديدة "يلغي القيود التي كانت مفروضة على تقديم المعونات ويقوض أعراف الديمقراطية وحقوق الانسان".

واستأنفت واشنطن علاقاتها العسكرية مع إندونيسيا، والتي كانت قد جمدت عقب هجوم القوات الاندونيسية على تيمور الشرقية عام 1999 لمساعدة جاكرتا في محاربة الانفصاليين المسلمين الذين قد يؤون محاربي القاعدة.

وعزز بوش أيضا شراكته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حيث خفف من نبرة الانتقاد لموسكو بشأن الانتهاكات في الشيشان فيما حصل على موافقة موسكو على إقامة قواعد جديدة في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق في آسيا الوسطى.

وربما تكون المهمة الاكثر صعوبة الحصول على التأييد الدولي "للمرحلة الثانية" من الحرب ضد الارهاب والتي تتعلق بشن هجوم وقائي على العراق الذي تتهمه الولايات المتحدة بإنتاج أسلحة الدمار الشامل التي قد يستخدمها الارهابيون.

وخلافا للغزو البري واسع النطاق المحتمل للعراق، فإن تحركات الجيش الاميركي حتى الان تتم غالبا في الخفاء باستخدام أفراد القوات الخاصة وعملاء وكالة الاستخبارات المركزية (سي.آي.إيه).

وذكرت تقارير هذا الشهر أن البنتاجون (وزارة الدفاع الاميركية) تدرس فكرة إرسال جنود من وحدات العمليات الخاصة إلى دول "صديقة" بهدف اعتقال الارهابيين أو قتلهم حتى لو تعارض ذلك مع الاعراف الدولية المقبولة وقرار رئاسي بحظر الاغتيالات.

ومن بين جوانب الحرب التي تحدث عنها بوش صراحة، السرية التي ستعمل بها القوات الاميركية في ملاحقة عدوها.

وقال بوش في تشرين الاول/أكتوبر الماضي "إنها حملة ستجري نهارا وليلا .. في النور وفي الظلام، في معارك سترونها ومعارك لن تروها".


 

الصفحة الرئيسية