الشاهد للدراسات السياسية والاستراتيجية        

   
     

فوز الإسلاميين في المغرب استثناء يمكن تعميمه

بالرغم من الضعف الوظيفي لكل من البرلمان والأحزاب في المغرب في مقابل السيطرة القوية للسلطة ، فإن هذا لا يقلل من فوز الإسلاميين بالمرتبة الثالثة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة حيث أنها تمثل مفاجأة لكل المهتمين بالشأن المغاربي وتبرز في الوقت ذاته تساؤلاً مهما هو : هل يمكن تكرار هذا الاستثنناء المغربي وتعميمه في الوطن العربي خصوصاً وأنه يجئ في ظل أجواء مشحونة داخلياً وخارجياً ضد الحركات الإسلامية ؟ .

لقد ظلت الأطراف المغربية العلمانية تستننفر وسائل الإعلام ضد الإسلاميين مثيرة المخاوف من تصاعد دورهم في الخارطة السياسية في سياق تعامل لا يتسم بالمسئولية أو الديموقراطية حيث انها تعتبر أن فوز انصارها بمثابة انتصار أما فوز الأخرين وخاصة الإسلاميين فتعده درجة من درجات الخطورة.

وظل هؤلاء يظنون ان السلطة ستتدخل لتحجيم فرص الإسلاميين فى الفوز لما يرونه من اعتبارات إقليمية ودولية تقتضى ذلك بحجة الحفاظ علي المصالح العليا للبلاد ، غير أن مرونة الإسلاميين وذكاءهم في التعاطي مع الملف الانتخابي والسياسي بشكل عام فضلاً عن رؤية السطلة المخزنية والتي اعتبرت أن نزاهة الانتخابات وفوز الإسلاميين بأحد المراكز الأولي لن يحدث أي مخاطر تصورها تلك الأطراف بل علي العكس سيفضي بانفراجه سياسية في البلاد قد أدت إلي النتائج الحالية.

وتشير هذه النتائج إلي حصول حزب الاتحاد الاشتراكي علي المرتبة الأولي ثم احزاب الاستقلال والعدال والتنمية والتجمع الوطني للأحرار ، وبالنسبة للاشتراكي فقد قاد الائتلاف الحاكم السابق بعد أن ظل معارضاً طوال العقود الأربعة الماضية ثم غير سياسته من خلال الانتقال إلي التعايش مع العهد القديم ( الملك حسن ) الذي قام بتعيين رئيسه عبدالرحمن اليوسفي رئيساً للوزارة عام 1998 والحزب أقرب للاشتراكية الدولية وحصل علي 50 مقعداً أما حزب الاستقلال فقد أنشئ عام 1948 وموقعه وسط بين المرجعية الإسلامية والتأثيرات الاشتراكية والليبرالية وكان الحزب الوحيد حتى عقد الخمسينات حيث اجتمع تحت رايته كل المناضلين ضد الاحتلال الفرنسي وحصل علي 48 مقعداً وزعيمه هو عباس الفاسي .

و بالنسبة إلى حزب العدالة والتنمية فقد  حصل علي 42 مقعداً وعمل أولاً في إطار حركة التوحيد والإصلاح ذات الطابع الاجتماعي وقد تم الاعتراف به  عام 1993 ، ويليه في المركز الرابع حزب التجمع الوطني للاحرار وحصل علي 40 مقعداً ويعبر عن التوجه الليبرالي في البلاد وتشكل عام 1977 واستطاع الحفاظ علي موقعه المتقدم.

ورغم استمرار الحملات الإعلامية ضد تصاعد دور الإسلاميين واعتبار أن نجاحهم بمثابة إنذار للطبقة السياسة للبلاد فإن ذلك لم يمنع من تمثيل حزب العدالة والتنمية ضمن وفد رؤساء الأحزاب الستة المتصدرة لنتائج اقتراع الجمعة 27/9 الذي استقبله الملك محمد السادس حيث لم يشمل الاستقبال الأحزاب الستة عشرة من الأحزاب المتبقية والتي تجاوزع عدد مقاعدها 100 مقعد من إجمالي 325 مقعد .

وتضع هذه النتائج حداً لحالة التفتت في المشهد الحزبي الراهن  (33 حزب وصل الانتخابات 26 حزباً وفاز 22 حزب ) حيث برزت مجموعتان تملكان حرية اختيار التحالفات هما الاستقلال وحزب التجمع الوطني للاحرار بما يفتح الطريق نحو تشكيل قطبية حزبية ثنائية : قطب اشتراكي ليبرالي حول الاتحاد الاشتراكي وقطب يعتمد المرجعية الإسلامية حول الاستقلال .

شروط النجاح :

فبالنسبة للسلطة الملكية  فما زالت هي القوة الكبري في البلاد حيث يعطي الدستور صلاحيات شبه مطلقة للملك فهو أمير المؤمنين وقائد الجيش ويرأس مجالس الوزراء والقضاء الأعلي ويعين السفراء ويبرم المعاهدات ويعلن حالة الطوارئ في البلاد ، وقد ظهرت لديها إرادة لتحقيق الديموقراطية بطريقة تلائم بين الحفاظ علي صلاحياتها وتلبية الاختيارات الشعبية بل لقد رأت هذه السلطة أن السماح بتمثيل الإسلاميين في البرلمان يضفي بعداً واقعياً علي سلطتها الدينية علي اعتبار أن الملك بنص الدستور هو امير المؤمنين .

إضافة إلي ذلك فقد تغيرت نظرة السلطة بالنسبة إلي البعد الخارجي وتأثيره علي ما تسميه استحقاقات المرحلة سياسياً واقتصادياً فبعد أن كانت تعتبر أن تمثيل الإسلاميين في الحكم قد يؤدي إلي التدخل الخارجي في الشئون الداخلية ويؤثر علي الاستقرار الداخلي فقد تغير ذلك بعد تولي حكومة وسط يمين في أسبانيا ، واستمرار شيراك في حكم فرنسا ، علي اعتبار ان أسبانيا وفرنسا هما اللاعبان الأساسيان في المغرب ولم يتدخل عليهما الولايات المتحدة سوي متأخرة .

أن البعد الإقليمي بهذا الشكل لم يؤثر علي السماح بوصول الإسلاميين إلى البرلمان واحتمالية اختيارهم في الائتلاف المقبل ، أن التحركات الأسبانية التي تحمل في طياتها تهديدات للمغرب مثل احتلال جزر مغربية وتشكيل محور جزائري ـ أسباني ظهر عقب تأييد الجزائر لأسبانيا في أزمة جزيرة ليلي كل هذا قد أدي إلي تأثيرات عكسية تتمثل في أهمية إشراك الإسلاميين بهدف زيادة الحيوية والفاعلية للمجتمع المغربي والتي تنعكس إيجابياً علي مؤسسة الحكم في البلاد ، وقد زاد من هذه التأثيرات الإشادات الأمريكية المشجعة التي صدرت لاعتبارات الهيمنة والتسابق مع فرنسا علي المغرب ، وجاءت علي لسان بوش حين أشاد بأجواء اقتراع الجمعة .

بناء علي ذلك يمكن القول أن إرادة الحكم المغربي وعدم تأثره بالبعدين الإقليمي والخارجي علي اعتبار أن الإسلاميين ليسوا تهديداً له كما تصور بعض الأطراف بل إنها علي العكس تزيد من فاعليته ودوره داخلياً وخارجياً ، قد أدت إلي توسيع الهامش الديموقراطي وإمكانية التعايش مع الإسلاميين ولعل ذلك قد يفتح الباب امام الاعتراف بحركة العدل والإحسان وهى إحدى الحركات الإسلامية المغربية والحوار معها من أجل الوصول لاتفاق يؤدي إلي انتهاء تهميش قواعدها الشعبية وحركتها السياسية من ناحية وإزالة الشكوك المتبادلة بين السلطة والحركة من ناحية أخري .

أما بالنسبة للإسلاميين ممثلين فى حزب العدالة والتنمية فرغم الحملات الدعائية ضدهم والتي تتهمهم أحيانا بأنهم يمثلون خطورة علي السلطة وأحياناً اخري بأنه يؤيدها – وأنه بدلاً من أن يشارك من داخلها ليغيرها قامت بتغييره - فإنه اجتهد وفق فقه  "الموازنات " و"المقاصد " من اجل تغيير مجتمعه المغربي إلي أمام وكانت النتيجة هي فوزه بالمركز الثالث في الانتخابات الحالية وتوقع حصوله علي المركز الأول في الانتخابات القادمة عام 2007 خصوصاً في حال مثل المعارضة الرئيسية في البرلمان الحالى .

لقد دخل الحزب في هذه الانتخابات وفق مبدأ المشاركة  فلم يشارك سوي في 60 % من الدوائر الانتخابية وفي حال افتراض مشاركته في جميع الدوائر إضافة إلي مشاركة العدل والإحسان فلا شك أن نسبة مقاعد الحركة الإسلامية ستزيد وتزيد معها الهواجس الداخلية والخارجية .

كما نفي الحزب أنه سيضغط من اجل تطبيق الشريعة معتبراً أن توسيع هامش الحريات هو بمثابة خطوة علي طريق التطبيق التدريجي وحظر الخمور وإغلاق نوادي القمار واليانصيب خطوة اخري كذلك توفير وظائف لملايين العاطلين فهى خطوة هامة وضرورية.

وإضافة إلي هذا وذلك فقد رشح الحزب عدداً من النساء علي قوائمه وفازت إحدي نائباته ( فاطمه بلحسن ) في اللوائح المحلية خلافاً لجميع الأحزاب الأخري كما فازت خمس نائبات أخريات من القائمة الوطنية .

محددات استمرار النجاح :

وإذا كان النجاح في الحصول علي المقاعد البرلمانية هو نصف الطريق فإن النصف الأخر يتمثل في إيجاد حلول للمشكلات وزرع الثقة المطلوبة في البلاد ولهذا محددان الأول يتعلق باستكمال الإرادة الحكومية في إشراك الإسلاميين في الحكومةالائتلافية ، والثاني يتعلق بسلوك حزب العدالة والتنمية ومواءمته بين أهدافه ووسائل تحقيق هذه الأهداف .

وفيما يتعلق بالمحدد الأول فيشار إلي أن تعيين الوزير الأول هو احد اختصاصات الملك بنص الدستور لكن استمراره في منصبه يرتبط بحصوله علي الأغلبية في مجلس النواب والتنافس علي رئاسة الحكومة ينحصر بين الاشتراكي (اليوسفي ) والاستقلال ( الفاسي ) ويستبعد تجمع الأحرار لأن رئيسه أحمد عصمان ليس عضواً في مجلس النواب .

 كما أنه يتولي حالياً رئاسة غرقة مجلس المستشارين كما يستبعد احتمال تعيين الدكتور عبدالكريم الخطيب  " 75 عاماً " زعيم العدالة والتنمية .

أما فيما يتعلق  بالمحدد الثاني وهو المواءمة بين الأهداف ووسائل تحقيقها فلن تكون هناك مشكلة في حال أصبح الحزب الإسلامىفي مقاعد المعارضة حيث سيدخل في تحالفات معينة سعياً لتحقيق هذه الأهداف كما ستخف حدة المشكلات في حال تكليف الفاسي رئاسة الوزارة ودخول الحزب في ائتلاف معه علي اعتبار أن هذا الائتلاف سيحظي بموافقة ملكية ضمنية لن تعوق الحزب في تنفيذ بعض البرامج الاقتصادية والاجتماعية المتسقه مع مرجعيتة الإسلامية .

وفي حال عدم تحقق هذا أو ذاك فإن المشكلة ستكمن في إمكانية دفع الحزب في دخول ائتلاف حكومي يقوده حزب الاتحاد الاشتراكي مع وجود تنافر واضح بينهما علي خلفية الاختلاف في العديد من القضايا مثل :المرجعية الإسلامية ، والأولويات ، والعلاقة مع إسرائيل فضلاً عن تعرض الاشتراكي لانتفادات شديدة بسبب اخفاق الحكومة التي تولي قيادتها في تذليل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية القاسية التي تعاني منها البلاد أو الخروق التي ارتكبت في حق حرية التعبير .

ورغم استمرار بعض الأوساط داخل الاشتراكي في حملتها علي الإسلاميين وانتقادها ماتسميه طعن الأحزاب الديموقراطية في ظهور بعضهم البعض والتهافت مع التحالفات بعد الانتخابات والانبطاح أمام المد الفاشي أي الإسلاميين وفتح الباب أمامهم لدخول الحكومة فإن ذلك لا يمنع من وجود هذا الاحتمال يوما وهو دخول حزب العدالة والتنمية في حكومة يقودها الاشتراكي خاصة بعد أن طرح الأخير  -في معرض سعيه لتكوين تحالف يضمن له الأغلبية داخل البرلمان ـ فكرة الكتلة التاريخية والتي ظهرت قبل تشكيل حكومة التناوب 1998 وتضمنت في إطارها توحيد القوي الوطنية بما فيها الإصلاحيين الذي يؤكدون علي مرجعيتهم الدينية والإسلامية .

إضافة إلي أن الإسلاميين أنفسهم رغم تبلور اتجاه داخل الحزب يري افضلية للتحالف مع الاستقلال بصرف النظر عن الموقف من المشاركة في الحكومة فإنهم لم يغلقوا الباب بعد للاحتمالات الأخري خصوصاً في حال تعيين رئيس وزارة من التكنوقراط وهو احتمال بعيد ، ولذلك يبقي التساؤل : هل سينضم العدالة والتنمية إلي تكتل اشتراكي / ليبرالي وبدلاً من أن يغير من داخل النظام يتم تغييره هو أو بالأحري استئناسه ؟ أم هل سيسعي - سواء في الحكم او المعارضة-  إلي بذل جهوده من اجل تلبية الطموحات الشعبية ؟.

 

الصفحة الرئيسية