الشاهد للدراسات السياسية والاستراتيجية        

   
     

الدوافع النفطية وراء الحملة الأمريكية علي العراق

لعب النفط دوراً بارزاً في الأحداث السياسية والاقتصادية في المنطقة العربية خلال الخمسين عاماً الماضية بحيث كان دائماً في خلفية الأحداث التي جرت ولقد ارتبطت دائماً حرية دول المنطقة في تحديد أفضل الطرق لاستغلال مواردها النفطية بمدي ما تتمتع به تلك الدول من حرية الإرادة والاستقلال السياسي .

حيث يمكن القول أن سيطرة الدول العربية علي مواردها النفطية واستغلالها لهذه الموارد لخدمة مصالحها الوطنية ارتبط بشكل تام باستقلالية قرارها السياسي ، وحيازتها لعناصر القوة السياسية ، ففي ظل غياب تلك الحرية والاستقلال السياسي تمكنت الدول الغربية المستورده للنفط بمساندة شركاتها العالمية من السيطرة علي مقدرات صناعة النفط وتوجيه سياسة الانتاج والاسعار بما يخدم مصالحها .

وقد زادت الأهمية النفطية للمنطة العربية وخاصة منطقة الخيج في أعقاب الحرب الثانية حيث أصبحت موارد الطاقة في أوروبا واليابان قاصرة عن الوفاء باحتياجات إعادة الإعمار فقد كان الفحم حتى ذلك الوقت يمثل نحو 85% من استهلاك المنطقتين من الطاقة ولم يعد الانتاج المحلي منه يفي بالحاجة .

أما الولايات المتحدة فقد شهد عام 1948 تحولها إلي مستورد صافي للنفط ، وقد أدت هذه العوامل إلي الضغط من أجل التنمية السريعة للإمكانيات النفطية لمنطقة الخليج حيث ساعد كل ذلك أن الشركات العالمية للنفط كانت تسيطر سيطرة تامة علي إنتاج الزيت الخام وتسعيره ، وهكذا جاء تزويد الاقتصاديات الغربية بالنفط الرخيص من منطقة الخليج مكملاً ومسانداً لاستكمال مشروع مارشال الأمريكي بإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب .

ولقد جاء الشعور الغربي وخاصة الأمريكي بالأهمية النفطية لمنطقة الخليج مبكراً ، وزاد هذا الإدراك اثناء الحرب الثانية ، ومع تحول الولايات المتحدة من مصدر صافي إلي مستورد صافي للطاقة عام 1948 ، أعلن الوزير الأمريكي هارد ايك " إن حاجة الولايات المتحدة إلي النفط تجعلها تتجه إلي منطقة الخليج ، إلي العربية السعودية والكويت والبحرين وإيران بل وربما أفغانستان ، ينبغي علينا أن نتوجه حيث يوجد النفط " .

وقد جاء سلوك الأمريكان فيما بعدهذا التاريخ في منطقة الخليج ترجمة للظماء الأمريكي الشديد للنفط ، حيث لم تألوا السياسة الخارجية الأمريكية جهداً في التوجه حيث يوجد النفط وبما أن النفط موجود بكثرة ووفرة في منطقة الخليج فلابد إذاً أن تتواجد هناك الولايات المتحدة لتحقيق السيطرة علي هذه الموارد ، وقد أدركت الولايات المتحدة والدول الغربية أن الخطوة الأولي في السيطرة علي النفط تتضمن السيطرة والاخضاع للإرادة السياسية العربية ، وذلك من أجل تحقيق المصالح الاستراتيجية الغربية في المنطقة والمتمثلة في السيطرة التامة علي منابع النفط وتأمين الوصول الأمن للإمدادات البترولية ، بأسعار زهيدة وذلك لضمان وصول النفط وجريانه بين الاقتصاد العالمي ,

ولقد كانت أداة السيطرة علي النفط العربي الخليجي في الفترة الأولي وتحديداً قبل 1973 تتمثل في السيطرة من خلال الشركات الغربية الكبري والتي كانت مسيطرة علي إنتاج النفط ، وذلك في ظل خضوع تلك الدول للاحتلال ، حيث كانت هذه الشركات قبل عام 1950 تدفع مبلغ ثابت إلي الدول المصدرة مقابل كل برميل يخرج من أراضيها وذلك بصرف النظر عن أسعار في الأسواق العالمية.

 وقد كانت هذه العوائد تتراوح بين 10: 30 سنتاً للبرميل ، وعندما قبلت الشركات تحت الضغوط المتزايدة مبدأ مناصفة الأرباح وصار سعر الزيت الخام يتخذ اساساً لحساب تلك الأرباح منذ 1950 عملت هذه الشركات علي تخفيض تلك الأسعار خلال عامي 1959 ـ 1960 ، ولما لم تجد اعتراضات الدول المصدرة للنفط ومطالبتها بأن تستشار عند تخفيض الأسعار ، قامت مجموعة من الدول المنتجة للبترول وفي مقدمتها دول الخليج العربي بإنشاء منظمة الدول المصدر للبترول " أوبك " عام 1960 لتنظيم جماعي للدفاع عن مصالحها في مواجهة كارتل الشركات العالمية ,

ويلاحظ أن إنشاء منظمة الأوبك جاء متلازماً مع زيادة موجة التحرر الوطني في دول العالم الثالث ومطالبة الحركات الوطنية باستغلال الإرادة السياسية لهذه الأمم وتحررها من سيطرة رؤوس الأموال الأجنبية ، كما جاء متلازماً لزيادة المد القومي ومع تزايد المطالبة باستقلال إمارات الخليج العربي من السيطرة البريطانية وقد جاءت اعتراضات من الدول المصدرة للنفط علي انفراد الشركات الكبري بقرارات تسعير النفط في مؤتمر النفط العربي الأول في الاسنكندرية عام 1959 وهو ما يعني حدوث نوع من التنسيق بين سياسيات الدول العربية الأمر الذي يظهر أن التنسيق والعمل العربي المشترك أدي دائماً إلي تعظيم المنافع العربية ، وهو ما ظهر جلياً بعد ذلك علي المستوي النفطي عقب حرب اكتوبر وبدرجة ما عام 1968 عقب انهيار أسعار النفط .

ولقد نجحت أوبك في تثبيت أسعار النفط من حيث قيمتها الأسمية خلال عقد الستينيات إلا أنها لم تفلح في وقف تدهور الأسعار من حيث قيمتها الحقيقية ( بأخذ عامل التضخم الذي أصاب اسعار المنتجات الصناعية المستوردة من الدول الصناعية ) يتضح ان سعر النفط الحقيقي انخفض من 2.18 دولار عام 1947 إلي 0.69 دولار عام 1970 ، أن السعر الاسمي كان ثابتاً عن 2.18 دولار .

ومع أن إنشاء الأوبك كان كفيلاً بتحقيق جانب من آمال الدول الأعضاء وأغلبها دول عربية إلا أن الخلافات التي سادت بين النظم الحاكمة في المنطقة العربية منذ منتصف الخمسينات انتهت بهزيمة 1967 ولم توفر لها المساندة السياسية والعسكرية الكافية لتحقيق تلك الأمال ومن ثم ساد الاعتقاد بان شوكة العرب قد انكسرت إلي الأبد بهزيمة 1967 وأن ثرواتهم النفطية سوف تستمر في التدفق إلي الدول الصناعية المستهلكة للنفط بالأسعار التي تراها تلك الدول مناسبة .

حرب اكتوبر 1973 :

جاءت حرب اكتوبر 73 لتكون خير دليل علي العلاقة بين قدرة الدولة واستغلال إرادتها السياسية من جهة وما تتمتع به من قدرة علي استغلال مواردها النفطية من جهة اخري ,.

فقبالة حرب 1973 كانت دول الخليج تدخل في مفاوضات تجارية بينها وبين الشركات المتعاملة معها لإعادةالنظر في اتفاقية طهران التي كانت قد أبرمت عام 1971 وتقضي بزيادة أسعار النفط نحو 35 سنتاً كما تقررت زيادة سنوية قدرها 5 سنتات للبرميل و 2.5 سنت لمواجهة التضخم النقدي وانخفاض قيمة الدولار .ورغم أن هذه المفاوضات كانت في إطار العلاقات التجارية القائمة بين هذه الدول والشركات المتعاملة معها إلا أن نيكسون رئيس الولايات المتحدة في ذلك الوقت لم يتردد في تحذير القادة العرب بصورة علنية شبيهة بتلك التي يتحدث بها الرئيس الأمريكي الحالي بوش في مؤتمر صحفي عقد يوم 5/9/1973 مخيراً إياهم بأنهم سيخسرون أسواقهم إذا استمروا في المطالبة بزيادة الاسعار ومذكراً إياهم بمصير الدكتور مصدق في إيران عندما قام بتأميم النفط الإيراني .

ولقد قررات أوبك أن تترك لاعضاءها حرية التفاوض بشكل جماعي أو فردي مع الشركات لرفع الأسعار وتحدد لبدء المفاوضات بين مجموعة الخليج والشركات يوم 8 اكتوبر 73 ، وكانت المعارك قد سبقت هذا الموعد وقد أظهر الشكل الذي سارت عليه هذه المفاوضات وما تلاها من تغيرات في سوق النفط العالمي مدي الارتباط بين أسعار النفط وبين استحواذ علي عناصر القوة السياسية .

وكانت المفاوضات قد بدأت بعرض ممثلوا الشركات تعديل اتفاقية أن فيما يخص معدل تصحيح التضخم يجعله 8% وكان السعر قد بلغ 3 دولارات وبذلك يرتفع ليصل إلي 3.25 دولار ، ومع توالي الأخبار من علي الجبهة المصرية تؤكد تفوق الجانب العربي في ساحةالقتال كانت عزيمة المفاوضين العرب تشتد فرفضوا مقترحات الشركات وأدركت الشركات حقيقة ما يجري علي ساحةالقتال فعادة لتعرض رفع نسبة الزيادة إلي 15% ليصل السعر إلي 3.46 دولار إلا أن دول الخليج التي عززت المعارك موقعها رفضت الاقتراح وطالبت بأن تكون الزيادة 100 % عندئذ بدأ مفاوضوا الشركات يتشاوروا مع رؤساء مجالس إدارتهم فجاءهم الرد أن الشركات لا تستطيع الذهاب أبعد من ذلك دون الرجوع إلي حكوماتها ، وقد جاءت نتيجة التشاور مع الحكومات بالسلب .

وفي يوم 16 اكتوبر 1973 شهدت الكويت اخطر القرارات التي نقلت السيادة كاملة علي صناعة النفط إلي أصحابها الشرعيين ، حيث استضافت وزراء نفط دول الخليج الاعضاء في الأوبك ـ وهي السعودية ، الكويت ؛ العراق ، الإمارات العربية ، قطر ، بالإضافة إلي إيران ، حيث تقرر من جانب واحد ولأول مرة في تاريخ صناعة النفط زيادة سعر النفط بنسبة 70% وبذلك ارتفع السعر من 3 دولار إلي 5.12 دولار ، وفي اليوم التالي عقد اجتماع وزراء نفط الدول العشر الأعضاء في الأوبك وقد تقرر خفض إنتاج النفط بنسبة 5% شهرياً وتلاه اجتماع أخر في 4 نوفمبر تقرر أثناءه أن يكون الحد الأدني للخفض 25% علي أن يتبع ذلك الاستمرار في خفض الـ 5 % شهرياً .

وعندما طلبت الشركات عقد جلسة في فيينا أواخر نوفمبر 1973 مع الدول المصدرة للنفط اصرت منظمة اوبك علي ألا تكون الجلسة بأي حال جلسة مفاوضات وأنه مهما يكن هيكل الأسعار في المستقبل فإنه سوف يتحدد بقرارات منفرده من المنظمة .

وتأكيداً لهذا الموقف اجتمع وزراء نفط دول الخليج الاعضاء اوبك فى طهران يومي 22ـ23 ديسمبر 1973 حيث تقرر رفع سعر البرميل إلي 11.65 دولار للبرميل أي بزيادة 130% وتوالت بعد ذلك القرارات النابعة عن السيادة الوطنية التي استردتها الدول النفطية تحت مظلة انتصارات اكتوبر ، فقد كانت اتفاقية المشاركةالتي ابرمت مع الشركات عام 1972 تتيح للدول النفطيةحق تملك 25 % من مرفقة إنتاج النفط الخام علي أن ترتفع تلك النسبة إلي 51 % بعد عشرسنوات .

 وبدلاً من الانتظار لعشر سنوات استطاعت دول الخليج أن ترفع نسبة المشاركة في بداية 1974 إلي 60% وتلا ذلك سلسلة من القرارات والإجراءات التي طرقتها بالتملك الكامل لكل المنشأت النفطية القائمة علي أرض الدول النفطية ، وهكذا جاءت المحصلة النهائية لانتصار اكتوبر ممثلة في انتقال السيطرة الكاملة علي مقدرات إنتاج النفط وتصديره إلي أصحابة الشرعيين ، وارتفعت بذلك إيرادات تصدير النفط في الدول العربية المصدرة للنفط من نحو 14 مليار دولار عام 72 إلي نحو 75 مليار دولار عام 1974 ثم تصاعدت لتبلغ 91 مليار دولار عام 1977 قبل أن تقفز إلي 146 مليار عام 1979 وإلي 213 مليار عام 1980 أثر قيام الثورة الإيرانية .

وقد أدت معاهدة السلام المصرية إلى تآكل الانجازات في المجال النفطي وبلغ هذا التأكل للقوة العربية سياسياً ونفطياً عقب حرب الخليج الثانية عام 1990 ، فقد تأكلت أسعار النفط في الثمانينات من القرن العشرين حيث انهارت من نحو 28 دولار للبرميل عام 1985 إلي نحو 13 دولار للبرميل عام 1986 ، ثم ارتفع مرة ثانية أثناء حرب الخليج ليصل غلي 18.6 دولار للبرميل عام 1991 ، ولكنه اتجه بعد ذلك إلي الانخفاض .

ومن منظور هذه العلاقة بين الإرادة السياسية المستقلة وامتلاك عناصر القوة السياسية الشاملة من جهة والقدرة علي الاستغلال الأمثل للموارد النفطية من جهة أخري يمكن النظر إلي الدوافع الاقتصادي وراء الحملة الأمريكية المتوقعة علي العراق .

الدوافع وراء الحملة الراهنة :

ادركت الولايات المتحدة أهمية النفط كسلعة استراتيجية وبالتالي أدركت أهمية منطقة الخليج العربي ، ولقد ظلت الولايات المتحدة دائماً حريصة علي البقاء بالقرب من أبار النفط الخليجية التي يتدفق منها الجزء الأكبر ، إلا أن الثنائية القطبية التي سادت العالم خلال فترة الحرب الباردة عقب الحرب العالمية الثانية وحتى انهيار الاتحاد السوفياتي وتفككه عام 1990 حالت دون تحقيق ذلك ، لكنها في المقابل أعلنت بوضوح حرصها علي عدم وقوع هذه المنطقة في يد المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي وأوضحت أن أي تهديد لهذه المنطقة يعتبر تهديدا للمصالح الاستراتيجية للمعسكر الغربي وهو ما تبلور في إعلان كارتر .

 ولقد زاد إدراك السياسة الأمريكية لأهمية هذه المنطقة عقب حرب اكتوبر 73 ، وما صاحبها من زيادات متوالية في أسعار النفط جعلت الصادارت الأمريكية المتعاقبة تصبح أكثر حرصاً علي حماية المصالح الأمريكية في هذه المنطقة المتمثلة في المقام الأول في المحافظة علي استمرار تدفق النفط بأسعار مقبوله إلي الاقتصادات الرأسمالية الغربية لتواصل نموها .

ومع انهيار الاتحاد السوفيتي وتفككه عام 1990 عام 1990 استطاعت الولايات المتحدة ان تنتهز الفرصةالتاريخية التي سنحت لها بغزو العراق لدولة الكويت من أجل القدوم والبقاء في هذه المنطقة ، فكما يقول المفكر الأمريكي البارز ناعوم تشومسكي " إن الولايات المتحدة برفضها وعرقلتها للحلول الدبلوماسية لأزمة الخليج الثانية قد حققت أهدافها الرئيسية في الخليج حيث قبضت علي مصادر البترول في الشرق الأوسط وقبضنا أرباحها الهائلة لتحسين اقتصادنا واقتصاد حليقتنا بريطانيا ، وهكذا أحكمنا سيطرتنا علي إمدادات البترول ودعمنا سيادتنا عليه " وقد ظل النفط هو الباعث والمحرك الخفي لأهداف وتحركات السياسة الأمريكية في الخليج ، والأن يقف النفط بقوة ليشكل أحد أهم الدوافع وراء الحملة الأمريكية المتوقعة لضرب العراق .

فما هي المنافع الاقتصادية الأمريكية من وراء حملة عسكرية تشمل ضرب العراق وإقصاء النظام ، وإقامة نظام بديل موالي للغرب ؟.

الإجابة علي هذا السؤال تتضمن عرض عدة مكاسب رئيسية من وراء هذه الحملة تتمثل الدوافع من وراءها اولاً : الحصول علي إمدادات النفط رخيصه . ثانياً : السيطرة علي أهم موارد النفط العالمية . ثالثاً :العمل علي إضعاف أوبك والقضاء عليها وعودة الشركات العالمية الكبري إلي العمل في دول أوبك مرة أخري .

وبالنسبة إلي الحصول علي امدادات نفط رخيصه فقد مر الاقتصاد العالمي وفي القلب منه الاقتصاد الأمريكي بفترة انكماش شديد وفي نفس الوقت شهدت اسعار النفط ارتفاع حيث وصلت في بعض الأحيان إلي 29 دولار للبرميل ، فقبل احداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 كان صوت الأوبك مرتفعاً نسبياً ، وكانهناك ارتفاع في الاسعار وقام تكتل قوي بقيادة رئيس فنزويلا ( مما أدي إلي القيام بانقلاب ضده ) .

تشير الدلائل إلي وجود أصابع أمريكية وراءه حيث كانت أجندة الحكومة البديلة تتضمن الخروج علي حصص أوبك ، والولايات المتحدة هي اكبر مستهلك للبترول في العالم ، وكذلك هي أكبر مشتري للبترول في العالم أيضاً حيث إن إنتاجها اليومي لا يزيد عن 6 مليون برميل بينما يتراوح استهلاكها اليومي من النفط بين 15 إلي 20 مليون برميل ، وبذلك يكون الحصول علي نفط رخيص مسألة أساسية بالنسبة للاقتصاد الأمريكي .

وهي تسعي من أجل ذلك إلي أن يكون سوق النفط مفتوح ووضع يدها علي نفط العراق سوف يجعل الدول الأخري تسعي إلي زيادة الانتاج ، كما أنها سوف تزيد من إنتاج النفط العراقي مما يؤدي إلي خفض الأسعار لتصل إلي المدي المعقول من وجهة نظرها وهو 18 دولار للبرميل .

يضاف إلي ذلك ما يتمتع به استخراج البترول العراقي من انخفاض التكاليف إذ أن تكلفة استخراج برميل نفط من الأراضي العراقية تمثل 1:16 ، 1:18 من تكلفة استخراجه بالنسبة لبحر الشمال وسيبيريا علي التوالي .

كما أن الكلفة الاستثمارية اللازمة لإضافة طاقة إنتاجية مقدارها برميل واحد يومياً في منطقة الخليج إجمالاً تراوح بين 2515 دولار و 4866 دولار تبعاً لحجم الحقل المكتشف وهو ما يؤدي إلي انخفاض كلفة الإنتاج إلي ما بين 1 ، 1.5 دولار للبرميل ، ولكن تلك الكلفة الاستثمارية ترتفع إلي نحو 7610 في أندونيسيا وإلي نحو 10240 دولار في فنزويلا وترتفع كثيراً في المناطق الصعبة مثل الاسكا وبحر الشمال .

أما بالنسبة للهدف الثاني وهو السيطرة علي أهم منابع النفط العالمية ، فقد شعرت الدول الصناعية أن الجهود التي بذلتها وكالة الطاقة الدولية من خلال العمل علي تسريع تطوير تكنولوجيا جديدة تهدف إلي المحافظة علي الطاقة وذلك عن طريق جهود الأبحاث والتطوير التي تدعم استخدام الفحم والطاقة النووية مثل تكنولوجيا بيئة الفحم وتكنولوجيا الأمان النووي وإدارة الطاقة النووية . شعرت بأن هذهالجهود غير كافية للاستغناء عن النفط كمصدر للطاقة.

 بل إن الدراسات المستقبلية تشير إلي استمرار بقاء النفط كمصدر اساسي للطاقة ، فبالنسبة للطاقة النووية فقد اخذت في الانكماش ففي أغلب دول أوربا الغربية لم يعد لأية دولة أوروبية مفاعلات تحت الإنشاء سوي في فرنسا ، بل اتجهت بعض الدول إلي التخلص تدريجياً مما لديها بالقعل مثل السويد وسويسرا كذلك وافقت دوله مثل اسبانيا باستكمال 5 محطات نووية ، وعموماً فإن عمر مفاعلاً للطاقة النووية لن يتجاوز 50 عاماً وما تلكفته إنشاء هذه المفاعلات من استثمارات لا تقل عن 600 مليار دولار ورغم ذلك لا تفي بأكثر من 6 % من الاحيتاجات العالمية من الطاقة ولا تقدم للعالم أكثر مما يعالد 11 مليون برميل نفط يومياً .

أما بالنسبة للفحم فإنه يتوقع أن ينخفض نصيبه من إجمالي الطاقة من نحو 24.7 % عام 1996 لتصل إلي نحو 22.6 % عام 2015 وبالنسبة لمصادر الطاقة الجديدة والمتجددة بما فيها الطاقة المائية فإن نصيبها من الاستهلاك العالمي من الطاقة لم يتجاوز 8 % تقريباً عام 1996 ، ولا يتوقع أن يتجاوز تلك النسبة بحلول عام 2020 .

وإزاء ما سبق يتضح أن النفط سوف يظل في المستقبل هو مصدر الطاقة الرئيسي ، وبالتالي فإن ذلك يصب في خانة استمرار أهمية منطقة الخليج .

كما أن تحليل هيكل الإنتاج يشير إلي اتجاه استخراج النفط إلي التركز بشكل أساسي في منطقة الخيج وفقاً لتقديرات هيئة معلومات الطاقة ، يتوقع أن يرتفع نصيب نفط أوبك الموجه لسد احتياجات العالم من نحو 40 % إلي نحو 46 % عام 2010 وإلي 47 % عام 2015 وإلي 50% عام 2020 ،  وهذه الدول الست هي السعودية والإمارات والكويت والعراق وإيران ثم فنزويلا وسيكون في مقدور الدول الست الوفاء بنحو 36 % من احتياجات العالم النفطية عام 2010 وبنحو 38 % عام 2015 وبنحو 42 % من الاحتياجات عام 2020 .

ونستخلص مما تقدم أن درجة التركيز في إنتاج النفط سوف تميل إلي الارتفاع خلال المستقبل المنظور حيث يزداد اعتماد العالم علي نفط أوبك لسد نحو نصف احتياجات العالم بحلول 2020 ، ومن ناحية أخري وفيما يتعلق بالتجارة العالمية للنفط فإنها هي الأخري تتسم بالتركز لصالح منطقة الخليج العربي ، حيث يتمتع مصدروا النفط العربي بمركز تجاري ممتاز في السوق العالمية للنفط إذ تبلغ صادرات النفط العربية نحو 18 مليون برميل يومي أو ما يمثل نحو 45 % من الصادرات النفطية العالمية التي بلغت عام 1998 نحو 40.4 مليون برميل يومي .

وتؤكد أساسيات السوق العالمية للنفط خلال المستقبل المنظور أن صافي العجز في الدول المستقبلة للنفط سوف يزداد مع الوقت وهو ما يؤدي إلي اتساع فجوة الاستيراد وذلك في الوقت الذي يزداد فيه التركيز في إنتاج النفط وبخاصة في منطقة الخليج كما أوضحنا في البند السابق وباستثناء كومنولث الدول المستقلة وشرق أوروبا التي يتوقع أن تحقق فائضاً نفطياص قابلاً للتصدير في حدود 4ـ 6 ملايين برميل يومي خلال الفترة 2010 ـ 2020 فإن باقي العالم سوف يعاني عجزاً صافياً يستوجب الاستيراد من أوبك بصفة اساسية وكما ذكرنا لا يوجد داخل أوبك من يمكنه توسيع طاقته الإنتاجية بحكم ما يتوفر لديه من احتياطيات نفطيه غير ست دول منها خمس دول في الخليج العربي .

 وتزداد الصورة وضوحاً إذا علمنا أن أغلب العجز النفطي في الدول الصناعية الغربية أعضاء ( oecd ) التي يتوقع أن يرتفع استهلاكها النفطي من نحو 42 مليون برميل يومي عام 1997 إلي نحو 50 مليون برميل يومي عام 2010 ، وإذا تعتمد تلك المجموعة من الدول علي الاستيراد لسد فجوة العجز فإن ذلك العجز سوف يزداد من نحو 19 مليون برميل يومي عام 1997 إلي 25 مليون عام 2010 وإلي 31 مليون مليون برميل عام 2020 ويتوزع هذا العجز بمقدار النصف تقريباص في الولايات المتحدة والنصف الباقي في أوروبا الغربية واليابان .

يتوقع ارتفاع حجم التجارة العالمية في النفط من نحو 40 مليون برميل عام 1998 إلي نحو 66 مليون برميل في العام عام 2020 كما يتوقع أن يرتفع نصيب أوبك من صادرات النفط العالمية من 62 % عام 1995 إلي 72 % عام 2020 ، وفي داخل أوبك يتوقع أن يرتفع نصيب الدول الست الرئيسية من صادرات النفط العالمية من نحو 49 % عام 1995 إلي نحو 63% عام 2020 ، وهو ما يؤكد ازدياد درجة التركيز في جانب العرض والتصدير لصالح منطقة الخليج العربي خلال المستقبل المنظور وهو ما يعني أن منطقة الخليج تمثل ألأهم مورد للنفط في العالم وهو الأمر الذي يزيد من رغبة الولايات المتحدة في السيطرة والبقاء في المنقطة الأمر الذي يتكرس من خلال ضرب العراق وقيام نظام موالي للولايات المتحدة فيه .

أما بالنسبة للهدف الثالث من وراء الحملة الأمريكية علي العراق فهو عودة الشركات العالمية الكبري إلي السيطرة علي قطاع النفط مرة أخري في دول الخليج العربي مثلما كان عليه الحالي قبل عام 1973 فالولايات المتحدة من خلال حربها في العراق وتواجدها في منطقة الخليج سوف تعمل علي خفض أسعار النفط ومن ثم ضعف الموارد المالية للدول الخليجية .

 وذلك في نفس الوقت التي تقدر الاحتياجات الاستثمارية اللازمة لتطوير الطاقة الانتاجية للنفط في دول الخليج أعضاء أوبك بما فيها إيران بنحو 160 مليار دولار ، وذلك لكي ترتفع تلك الطاقة من 23 مليون برميل بومي عام 97 إلي نحو 35 مليون برميل بحلول عام 2015 ، إذ يبدو عجز الإمكانيات الذاتية لدول أوبك عن توفير تلك الاستثمارات نتيجة لضعف مراكزها المالية بسبب ما تعرضت له من تأكل القيمة الحقيقية لأسعار النفط منذ منتصف الثمانينات وما أدت حرب الخليج الثانية من تأكل الفوائض المالية لهذه الدول التي تكونت في فترة السبعينيات وأوائل الثمانينات .

 فإن البعض يوصي بدعوة شركات النفط العالمية وكلها غربية لكي تساهم بما تمتلكه من تمويل وتقنية في عمليات البحث عن النفط وتنميته وإنتاجه وتأكيداً لتلك الدعوة يقول مارك مودي ستورات رئيسمجموعة شركات شل العالمية إن صناعة النفط قدعاشت السنوات العشرين الماضية في ظل أوضاع مقلوبه اقتصادياً إذ اتجه إنتاج النفط إلي مناطق مرتفعة التكلفة .

لكن تلك الحالة لم تعد الأن قابلة للاستمرار إذ يعتقد أن الفترة من 2005 إلي 2010 سوف تشهد العودة إلي الاستثمار في الناطق ذات التكلفة المنخفضه ومن ثم ارتفاع الانتاج فيها ، ومن هنا تستطيع فهم الإصرار الدول الصناعية المتقدمة علي ان تتضمن اتفاقيات الجات نصوصاً تتيح لشركاتها أن تعامل معاملة الشركات الوطنية نفسه بالنسبة لاستثماراتها في الدول النامية .

ويبدو أن عدداً من دول اوبك قد خضع فعلاً لدعوة عودة الشركات العالمية في البحث عن النفط وإنتاجه فقد خطت كلاً من فنزويلا والجزائر خطوات عملية واسعة في هذا الاتدجاه فيما تتركز الانظار حالياً علي منطقة الخليج العربي حيث ان الدلائل تشير إلي أن الشركات الكبري قد بدأت مؤخراً في استكشاف مواضع أقدام لها في منطقة الخليج ، فقد بدأت الكويت مفاوضات استكشافية مع الشركات العالمية للقيام بمشروعات نفطيه .

كما تشير التوقعات إلي أن السعودية مقبلة علي دعوة شركات النفط العالمية للمشاركة في الأنشطة النفطية بها حيث يؤكد " لوسيو توتو " رئيس شركة موبيل أن السعودية سوف تفتح حفولها النفطية للاستثمار العالمي قريباً .

ولا شك أن خطط الشركات النفطيةالعالمية الكبري للتواجد في المنطقة سوف تتسارع وتمضي بخطي سريعة إذا ما نجحت الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها من حربها ضد العراق ، كما أن تحقيق هذا التواجد للشركات الكبري في منطقةالخليج سيصب في خانة إضعاف أوبك وهي المنظمة التي لم تكن في يوم من الأيام محل رضي الولايات المتحدة والدول الصناعية الكبري الأخري .

وهكذا تتضح الدوافع الحقيقية للحملة الأمريكية المتوقعة علي العراق والتي هي ابعد ما تكون عن الأهداف المعلنة من كون العراق نظام غير ديموقراطي أو حماية دول الخليج من التهديدات العراقية أو غيرها من الشعارات التي ترفعها الإدارة الأمريكية والتي لا تقنع أحد .

الأثار المتوقعه للحرب علي العراق علي أسواق النفط :

لم تكن الدول الصناعية الكبري المستهلك الرئيسي للنفط أكثر استعداداً لمواجهة أزمة نفطية منها في هذه الأيام ، فالولايات المتحدة أكبر مستهلك ومستورد للنفط في العالم لم تكف عن تفريغ ناقلات البترول وضخ حملاتها الضخمة في أجواف مغارات هائلة تمتد في باطن الأرض في ولايتي تكساس وليوزيانا ، حيث يبدو أن الرئيس جورج بوش الأبن كان قد قرر مبكراً شن حرب علي العراق ، فما إن وضعت الحرب الأفغانية أوزارها حتى أصدر اوامره بضخ 700 مليون برميل في تلك المغارات حتى تبلغ طاقاتها القصوي .

ونظراً لأن الغرب عموماً أصبح يتهافت علي تخزين البترول فقد أصبحت نسبةالتخزين الاستراتيجي لدي اغلب هذه الدول تزيد عن 120 يوماً .

ويساعد علي التقليل من إمكانيةحدوث ازمةنفطية ارتفاع اسعار النفط أن الأسواق النفطية سوف تكون علي استعداد لمواجهة نفص الإنتاج فيحدود 1.5 إلي 2 مليون برميل يومياً حيث أن الدول الأخري المنتجة للنفط ومنها باقي الدول الخليجية سوف تتسابق في تعويض العجز في الإنتاج ، كما أن الولايات المتحدة تستطيع من أجل التغلب علي ازمةنفطيه قد تحدث أن تقوم بطرح 4 مليون برميل نفط يومياً في السواق علي مدار  3 أشهر ، وبأخذ المخزون الياباني في الاعتبار فيمكن رفع تلك لكمية إلي 9 ملايين برميل يومي ، وكلن علي مدار شهر واحد فقط وبالتالي يمكن المحافظة علي أسعارمنخفضه للنفط ، ولكن الخبراء متفقون علي ان جولة عسكرية جديدة في الخليج سوف يترتب عليها ارتفاع أسعار النفط في المدي القصير يرجع في الأساس إلي عوامل نفسيه تؤثر علي الأسعار حيث يتوقع أنيحدث زيادة في الأسعار بين 2: 5 دولار للبرميل تمثل علاوة تعاود بعدها الأسعار انخفاضها بشكل كبير إذا تم الإطاحة بالنظام العراقي .

أما إذا طال أمد الحرب ولجأ صدام حسين إلي تعطيل استخراج النفط من حقول الكويت والسعوديةولو مؤقتاً فسوف تنفلت أسعار النفط من عقالها بحيث يكاد لا يعرف حد أقصي لها.

 

 

الصفحة الرئيسية