الشاهد للدراسات السياسية والاستراتيجية        

   
     

 الوجود الأمريكي في أفغانستان .. قلق متزايد من المقاومة الأفغانيه

تشهد الساحة الأفغانيه حالة متزايده من تصاعد أعمال المقاومه ضد الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان إذ لم تعد المقاومه قاصرة فقط علي طالبان والقاعدة ولم تعد قاصرة  علي منطقة واحدة أو إقليم معين فقط وهو ما يبشر بقرب اشتعالها ، كما أن هناك عوامل تنذر بذلك منها اقتراب واشنطن بدرجة لا يمكن السكوت عليها من حدود دول الجوار الأفغاني مثل الصين وروسيا ، ومحاولاتها إبعاد النفوذ الإيراني عن أفعانستان ، ويوحي ذلك بقرب اشتعال صراع المصالح والاستراتيجيات بين هذه الدول وهو ما سينعكس علي الداخل الأفغاني في صدامات وقتال عنيف ستكون القوات الأمريكية من أهدافه .

وإذا أضفنا ما تشهد به أفغانستان ـ حالياً من حالة الاحباط الشعبي بسبب تبخر الآمال التي رسمتها الدعاية الأمريكية بتحسن أوضاعهم المعيشيه ، وحالة فقدان وانعدام الأمن التي يعيشها المواطن الأفغاني وحالة التغريب الفجه التي تسعي واشنطن لفرضها علي الأفغان والتي تصطدم مع تقاليد المجتمع الأفغاني ، لأدركنا أن برميل البارود ينتظر من يشعل عود الثقاب فقط .

ورغم أن الأمريكيين أعلنوا قبل دخولهم أفغانستان بعد احداث سبتمبر أنهم قرأوا التاريخ ودرسوا الجغرافيا قبل إرسال قواتهم لقتال طالبان والقاعدة ، وتأكيدهم أنهم لن يكرروا فشل الأخرين ( يقصدون الروس ) إلا أن الواقع الحالي يشير إلي أن الأمريكيين يسيرون في نفس الطريق الذي طرقه الأخرون غير أنهم لم يقطعوا فيه إلا مسافة بسيطه وما زالت الألغام والقنابل المؤقتة جاثمة كما هي في أفغانستان تراهن علي الزمن والأحداث .

وقد حذر القائد الأفغاني عبد الحق ـ الذي أعدمته طالبان ـ واشنطن مرات كثيره من هذه الألغام الأفغانيه ومن التدخل العسكري في أفغانستان باستخدام فصائل المعارضه الأفغانيه ، وأوضح عبدالحق للأمريكيين أن اسقاط طالبان لن يكون إلا بالأسلوب الذي قامت به طالبان وهو ضخ الأموال لشيوخ القبائل حتى تسحب تأييدها لطالبان ، غير أن الأمريكيين لم يستمعوا إلي نصيحة عبدالحق واندفعوا إلي أفغانستان بضغوط داخليه وأطماع استراتيجيه .

فقد مضي قرابة العام علي بدء الحرب الأمريكية في أفغانستان ، وسقطت طالبان والقاعده ، ونصبت واشنطن حكومة لها في كابول ، ولا تكف الطائرات الأمريكية عن قصف الجبال والكهوف ، وقضف القري الأفغانيه دون أن تصل إلي تحقيق الأمن والسيطره الحقيقية في أفغانستان ، أو تلقي القبض علي الملا محمد عمر ، وأسامه بن لادن وبقية قيادات طالبان والقاعده ، فما تزال القوات الأمريكيه وقواعدها تتعرض للقصف الصاروخي ،والكمائن والتفجيرات ونفذ طالبان هجمات جريئه ضد القوات الأمريكية ، وحكومة كارزاي واستطاعوا قتل الوزير عبدالقدير وفشلت محاولاتهم لاغتيال كارزاي .

وتثبت الأيام والأحداث أن دعاية واشنطن عن تحقيقها نصر حاسم علي طالبان والقاعده ، وقتل معظمهم وأسر الباقيين وترحيلهم إلي جوانتانامو ، كانت قبيل الحرب النفسيه والدعائيه بعد احتكارها للإعلام في أفغانستان فطالبان كانت تملك علي أقل تقديرات أربعين ألف مقاتل ، أما القاعده فكانت تملك ثلاثة الاف مقاتل ذوي تدريب راقي جداً ، وتؤكد الدلائل أن ما خسرته القاعده وطالبان في القتال والأسر لم يتعد 20 % من رجالها ، وهو ما يعني أن الجسد الطالباني ما زال موجوداً وقائماً بأفراده وقياداته وأسلحته ، وإذا أضفنا أن هذه الفلول في الأساس تنظيم علي ابعاد أيديولوجيه وفكريه عميقه في أنفسهم لأدركنا أن حربهم مع الولايات المتحدة لم تنته بعد ، بل ربما لم تبدأ بعض جوانبها الشرسه وهي حرب العصابات التي حذر منها وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كسنجر حين قال " إن حرب العصابات تنتصر طالما أنها لا تخسر ، وتخسر الحكومه إذا لم تنتصر وتقضي علي هذه العصابات " .

وتأسيساً علي ذلك فإن المقاومة الأفغانيه للوجود الأمريكي تقترب من الظهور الفعلي علي الساحة الأفغانيه ومن المتوقع أن تشكل تهديداً خطيراً علي القوات الأمريكيه  بعد انضمام رئيس الحكومة الأفغانيه السابق قلب الدين حكمتيار إليها هو وحزبه الإسلامي بعد طرده من إيران ، إذ أرسل قلب الدين ـ من مكان سري ـ شريطاً نشرته صحف باكستانيه يدعو فيه الوقوف بجانبه لقتال هؤلاء الكفار ( يقصد الأمريكيين ) والعملاء ( كارزاي وتحالف الشمال ) ومواصلة الجهاد والقتال حتى تحرير أفغانستان من الاحتلال الأجنبي .

أثارت دعوة قلب الدين للجهاد ضد الأمريكيين ارتباكاً أمريكياً لما يتمتع به الرجل من نفوذ واحترام في نفس قطاعات كبيرة خاصة في مناطق البوشمن ، إضافة إلي تنظيمه الحزبي هذا مع وظهور منشورات في إماكن متفرقه من أفغانستان تدعو إلي قتال الأمريكيين ، وتعلن أنها نفذت عمليات ناجحة وموجعة ضدهم ، وكان التوقيع الذي حملته هذه المنشورات هو الجيش السري للمجاهدين المسلمين " وإعلان هذا الجيش أنه لا علاقة له بطالبان والقاعده وان هدفه  هو مقاومة الاحتلال الخارجي والثار للأفغان الأبرياء الذين قتلوا في القصف العشوائي الأمريكي لقراهم .

وكان دخول قلب الدين إلي معترك مقاومة الوجود الأمريكي في أفغانستان عاملاً هاماً في تشجيع عناصر أخري لمقاومة الأمريكيين بعضها من عموم القبائل الأفغانيه المستاءه من التعامل الأمريكي معهم حيث ارتكبت القوات الأمريكية مجازر بشعه ضد الأفغان المدنيين بعد قصفهم بالطائرات بحجة بلاغات بوجود أفراد من الباشتون التي استأثرت بالنصيب الأكبر من الهجمات الأمريكيه وهو ما اثار مشكلة القومية في أفغانستان ، وهدد زعماء أفغان بقتال الأمريكيين في حال تعرضهم للقصف مرة أخري ، حتى أن احد مستشاري الرئيس كارزاي ، قال " علي الأمريكيين أن يعاملونا باحترام " وبدأت تسري في أوساط القبائل الأفغانيه دعوات للثأر من الأمريكيين الذين قتلوا أبنائهم ، وعزز من حالة النفور التي يشهدها الوجود الأمريكي في أفغانستان ، ان واشنطن ليست مستعده لإعادة الإعمار بعدما اكتفت بتدميرها فأكد أحد أعضاء الكونجرس " لقد تحملنا العبء العسكري ولن نتحمل عبء إعادة البناء في أفغانستان" .

كذلك فإن التحرك الاقتصادي للحكومة الأفغانيه ما زال ضعيفاً للغايه بسبب قلة التمويل ، وذهاب أموال المعونات إلي أماكن مجهوله تصب في خانة بعض القيادات الأفغانيه ، وهو ما يسبب تذمراً شعبياً وقبلياً ويشجع علي انضمام أخرين للمقاومه ، مع فشل حكومة البلاد في بسط نفوذها وهيمنتها علي البلاد ، وانقسام أفغانستان بين الحكومات المحلية التي تتمتع أغلبها باستقلال شبه كامل عن الدولة المركزيه وانصراف هؤلاء الحكام المحليين وأمراء الحرب لتحقيق مصالحهم الشخصيه والقبليه حيث انهم معروفون بولاءاتهم المتعدده والمتغيره والتي تعتمد في الأساس علي الرشاوي .

الولايات المتحدة في مأزق في أفغانستان :

الواقع أن الولايات المتحدة في طريقها لمواجهة مأزق حقيقي في أفغانستان حيث أنها لن تستطيع أن تتعايش مع هذا الكم الكبير من زعماء القبائل والحكام المحليين وأمراء الحرب في بلد واحد ولابد أن ينقلب عليها كثيرون لتبدأ شرارة المقاومه فواشنطن رغم أنها اللاعب العسكري الأول ـ حالياً ـ في أفغانستان إلا أنها تأتي في مرتبه لاحقه من الناحيه السياسيه ، إذ أنه لايدين بالولاء للولايات المتحدة في أفغانستان سوي حامد كارزاي وهذا الرجل لا يمثل إلا نفسه إذ أنه لا يستند إلي ميليشيا عسكريه تدعم نفوذه في البلاد ، وموقفه أضعف من أن تبني واشنطن عليه وجودها في أفغانستان ، كما أن كارزاي لا يثق في أعضاء حكومته ويشعر أنهم يتربصون به ، ويكفي أن نعرف أن حرسه الشخصي ليس من تحالف الشمال وإنما من القوات الخاصة الأمريكية بسبب اغتيال القائد البشتوني عبدالقدير حليف كارزاي القوي في وضح النهار وأمام وزارته .

ويواجه النفوذ السياسي الأمريكي تهديداً جوهرياً من الروس ، إذ تسبب إصرار واشنطن في ملاحقة بن لادن والملاعمر ، إلي فشلها في خلق نفوذ سياسي قوي لها داخل أفغانستان ، ، فتحالف الشمال يرتب بعلاقات وثيقه مع موسكو ، ميعتبر موسكو هي الحليف الأول له وليس واشنطن التي لا تربطها بها إلا روابط المصالح ، وهو ما أدركته موسكو جيداً واستطاعت أن تملأ الفراغ السياسي في كابول بابصارها من الشيوعيين الذين قفزوا إلي مواقع السلطه والإدارة في كابول بعد رحيل طالبان واستطاعوا بالأموال الأمريكية والسلاح الشمالي أن يدعموا نفوذهم ونفوذ موسكو في الجيش والسياسة الخارجيه لهذا فموسكو تتمتع بأكبر نفوذ لها في العاصمة كابول ويكفي أن نعلم أن كابول تتكلم الأن اللغة الطاجيكية بسبب سيطرة الطاجيك الذي يشكلون ربع السكان علي الوزارات بعدما كانت تتكلم اللغة الباشتونيه .

أما العقبة الأخري التي تواجه واشنطن في أفغانستان وتسبب لها قلقاً متزايداً فهي أمراء الحرب المتناحرون والأقوياء في ذات الوقت ، ففي الجنوب الأفغاني الباشتوني تسعي القياده الأمريكية لترتيب أوراقها تفاديا لوقوع صدامات أخذت تلعب هذه القياده دور المصلح السياسي بين زعماء الطوائف الأفغانيه ، فمثلاً اصطحب الجنرال الأمريكي دان ماكبيل معه إلي هيرات حاكم ولاية قندهار رغول أغا ليصلحه علي حاكم هيرات إسماعيل خان بعدما ترددت معلومات عن تنافس بين القائدين من أجل السيطرة علي قاعدة " شندند " العسكريه الاستراتيجية .

ولا شك أن تدخل أمريكا في صراعات الأمراء الأفغان يدفعها إلي مناصرة أحدهم علي الآخر أو أحد الأعراق علي الآخر ، وتكون هذه شرارة الاشتعال ، فعندما أبلغ الأمريكيون الجنرال محمد داود قائد شمال شرقي أفغانستان والمعروف بعلاقته بموسكو برغبتهم في نشر قوات أمريكية في ولاية " بدخشان " المحاذية للحدود مع الصين وطاجيكستان من أجل مراقبة تحركات القاعدة " وطالبان رفض داود الطلب الأمريكي مؤكذاً رفضه وجود أمريكيين ، حيث أن هذه المنطقه حساسه جداً لكل من روسيا والصين خصوصاً أن التحالف يعتبر نفسه حليفاً لموسكو .

ومع إدراك موسكو أن الدور الأمريكي في منطقة القوقاز مرشح للزيادة والتنامي ، فإن التحركات الأمريكية تصبح أكثر قلقاً لها وأدعي لمقاومتها عبر الأساليب السريه والمخابراتيه ، فواشنطن عازم علي زيادة وجودها العسكرية في شمال القوقاز ، واقترحت تنظيم لقاء عسكري روسي ـ أمريكي ـ جورجي لبحث الأوضاع في منطقة وادي بانكيبي ، المتنازع عليه بين روسيا وجورجيا وهو ما يشير إلي رغبتها في لعب دور كبير في المنطقه .

كذلك فإن انتشار مئات الجنود الأمريكيين في الجبال الوعره في منطقة ولايد كونار الواقعة شرقي كابول علي الحدود مع باكستان يقلق باكستان رغم أنها معزوله أفغانياً ومكروهة من كل الفصائل الأفغانيه ، إذ أن هذه الرغبة الأمريكية في الانتشار في كونار سيجعلها تصطدم بالحزب الإسلامي الذي يتزعمه قلب الدين ، خاصة وأن اتباع قلب الدين يشعرون أن واشنطن تستهدفهم ، وهو ما يرشح تصاعد التوتر القبلي الباكستاني والافغاني حيث إن الأوضاع هناك تشبه إلي حد كبير الأوضاع التي كانت سائدة قبيل تفجر الجهاد الأفغاني ضد الروس في الثمانينات .

وهناك تمدد حقيقي للمقاومة الأفغانيه ضد الأمريكيين يتجه نحو القبائل الباكستانيه حيث إن هذه القبائل وفرت ملاذاً أمناً لعدد من مقاتلي طالبان والقاعدة ووصل الأمر بها إلي مهاجمة قافلة كبيرة من الجيش الأفغاني لتحرير سبعة رجال من القاعدة اعتقلهم الجيش الباكستاني ونجحت القبائل في ذلك .

وإذا أضفنا الوضع الداخلي في باكستان الذي يشهد حالة من التشدد ضد الوجود الأمريكي في أفغانستان ويهاجم المصالح الأمريكي خصوصاً ، واستهداف الأمريكيين ومصالحهم بعمليات تفجير عنيفه لأدركنا حجم القلق الباكستاني من احتمالات تفجر المقاومة الأفغانيه ، إذ أن نظام مشرف لا يستند إلي شرعيه حقيقية في باكستان سوي شرعية الجيش وهي شرعيه قابلة للتغير والانقلاب .

يضاف إلي ذلك أن واشنطن ترفض توسيع عمل قوات حفظ السلام العاملة في أفغانستان " إيساف " والبالغ عددها 5 آلاف رجل خارج حدود كابول رغم مطالبة أمين عام الأمم المتحدة كوفي أنان والرئيس كارزاي واكتفت واشنطن بتأمينكابل فقط ، وأدي ذلك إلي اتفاق الدول المجاوره لأفغانستان والمهتمة بالوضع فيها أثناء اجتماع نيويورك أن الأمن ما يزال مشكلة كبيرة في هذا البلد ن ويبدو أن انسحاب القوات الفرنسيه والالمانيه من إيساف يؤكد وجود قناعه لدي هذه الدول بعدم نجاح خطة الأمريكيين .

ويأتي الدور الأيراني ليشكل قلقاً أخر لواشنطن ، إذ استطاعت إيران التسلل إلي أفغانستان دون ضجيج إعلامي أو سياسي وعمقت نفوذها في منطقة هيرات واستمالت قبائل الهزاره الشيعيه إليها عبر مشاريع تنمويه وتعليميه وبنية أساسيه والإعلام ، فطهران هي الدولة الثانيةالتي تملك نفوذ أساسي في أفغانستان حيث أنشأت طريقاً سريعاً يربط هيرات الاستراتيجية غرب بولايتي خراسان وسيسان الإيرانيتين ، وقامت ببث التليفزيون الإيراني إلي أهالي المنطقة ، وأرسلت كتب شيعيه لمفكريها إلي جامعة هيرات ومنحت بعض المحاضرين منحاً دراسيه في الجامعات الإيرانيه ، لهذا كانت واشنطن تطلق تهديداتها القوية لإيران بعدم التدخل في الشأن الافغاني .

المستقبل :

إن قراءة الوضع الأفغاني المعقد والمتشابك والمتصارع تشير إلي أن الأفغان لن يصمتوا علي الوجود الأمريكي في أفغانستان ، إضافة إلي ان واشنطن ظلت الإدارة اليمينية التي تحكمها نزعة القوة والهيمنة علي تحركها الخارجي يؤكد أن واشنطن ستلجأ إلي اسقاط هذه النزعه علي الواقع الأفغاني المعقد والملتهب مما يعجل بنمو المقاومه ، كما أن دول الجوار خاصة روسيا والصين تبدي مخاوف استراتيجية ومصلحية قوية من الوجود الأمريكي في حديقتها الخلفيه ولكنها تنتظر الفرصة لتوريط واشنطن والقصاص منها علي نفس الأرض التي انهزم عليها الروس ، لهذا فإن أمام مفاجآت لا تقل إثارتها وعنفها عن احداث سبتمبر

الصفحة الرئيسية