الشاهد للدراسات السياسية والاستراتيجية        

   
     

 3 - إندونيسيا..تفجيرات بالي وتقوية نفوذ التيار الحليف لواشنطن

رغم مسارعة كل من الحركات الإسلامية في أندونسيا إلي الدفاع عن نفسها وقيام الولايات المتحدة بإلقاء المسئولية عليها فيما يتعلق بتفجيرات جزيرة بالي التي راح ضحيتها ما يقرب من مئتين معظمهم من السائحين فإن هذا الجدل لن يمنع من ملاحظة أن تلك التفجيرات قد ادت إلي تقوية نفوذ التيار الواقعي في الحكومة والذي يرتبط بعلاقات صداقة مع الولايات المتحدة ويتبني رؤيتها الخاصة بالعمل علي منع جميع الحركات الإسلامية والقضاء علي نفوذها .

وقد خضعت جاكرتا في أعقاب تفجيرات جزيرة بالي لضغوط غربية تطالبها بالحسم مع الحركات الإسلامية في البلاد وتوقيف أبو بكر باعشير زعيم إحدي هذه الحركات وردت جاكرتا باستدعاء باعشير والقول في الوقت نفسه علي لسان سوسيلو باميانج يودو يونو الوزير الأندونيسي المنسق للشئون السياسية والأمنية أنه لا أدلة أو مؤشرات علي توريط الجماعة الإسلامية في انفجار بالي ، نافياً أي خطر لهذه الجماعة في البلاد ومضيفاً أن أبو بكر باعشير كان ناشطاً فيها اثناء إقامته في ماليزيا وسنغافوره وأن المفترض ضلوع أجانب في هذه القضية إلي جانب أندونيسيين لكن يجب انتظار وصول التحقيق إلي نهايته .

وقد نفي الشيخ باعشير وجود صلة لحركته بهذا التفجير مشيراً إلي أن توقيفه قد يؤدي إلي احتجاجات سلمية وتظاهرات وأن الحكومة الأندونيسية ستكون مهددة بالتفكك في حال تعاونت مع الولايات المتحدة فيما قالت أجهزة الشرطة أن استدعاء باعشير ليس له علاقة بالتفجيرات وإنما للتحقيق معه بشأن علاقته بهجمات علي كنائس عام 2000 والاستماع إلي رده علي مزاعم أحد الأشخاص المعتقلين في جوانتانامو بوجود علاقات بين حركته وما يسمي تنظيم القاعدة .

دفاع عن النفس :

ورغم أن الرئيس الأمريكي سارع كعادته بالقول أن العمليات الإرهابية الأخيرة التي وقعت في الكويت واليمن وأندونيسيا تنطلق جميعها من مخطط واحد وأن تنظيم القاعدة هو المدبر الرئيسي لها ، فإنه بحسب سير التحقيقات لم يتضح بعد ما إذا كانت هذه العمليات منعزلة أم فردية أو تعبيرا عن الغضب ، أم أنها حملة منسقة يديرها إسلاميون أو منظمات أخري كما تعتقد الإدارة الأمريكية .

وبالأخذ في الحسبان مزاعم الإدارة الأمريكية بوجود علاقة بين تلك العمليات وتنظيم القاعدة فإن ذلك لا يعني سوي أن الشيخ أسامة بن لادن وأنصاره قد استعادوا زمام المبادره وأنهم قادرون علي إلحاق الأضرار بالمصالح الأمريكية رداً علي التحركات الأمريكية في فلسطين والعراق ، ومناطق أخري متحيزه ضد العرب والمسلمين ، أو أن أمريكا تتخذ من القاعدة وبن لادن ذريعة لمواصلة حملتها فى الوطن العربى والإسلامى سعيا لتحقيق كافة أهدافها على مستوى الهيمنة على المنطقة سعيا للسيطرة على العالم ، ومن ثم فهى لا تفتأ تنسب كل حركة أو عمل للقاعدة للتدليل على أن خطرها مازال مصدر تهديد ، غير أن هذا لا يجعلنا نحمل المسؤولية تلقائياً لتنظيم القاعدة عن انفجار بالي وذلك لانتفاء وجود مبرر لضرب مصالح أندونيسيا حيث أن الانفجار لم يوقع حوالي مئتين من القتلي فقط وإنما استهدف صناعة السياحة في بلد يعاني من أزمة اقتصاديه خانقه .

إضافة إلي أن الانفجار يضعف من سلطة الحكومة التي يدخل في تشكيلها تيار إسلامي قوي مكون من جمعية نهضة العلماء التي يرأسها الرئيس السابق وجماعة المحمدية بزعامة أمين رشيد وحزب التنمية المتحد الذي يتزعمه حمزه هاسي نائب سوكارنو .

وقد سارعت جميع الحركات الإسلامية في البلاد بالدفاع عن نفسها ضد التهم الأمريكية نظراً لتأكدها أن أية إجراءات تتخذ ضد احدها سوف تنسحب علي الجميع بما يؤثر سلباً علي حقها في المشاركة ، وأهم هذه الحركات أولاً جمعية نهضة العلماء وزعيمها عبدالرحن وحيد ، وتمثل التيار الصوفي التقليدي ، مع ملاحظة وجود مواقف للرئيس السابق وحيد تثير الاستغراب بإقامة علاقة مع إسرائيل لكونه عضواً في معهد بيريز للسلام .

وثانياً الحركات الإصلاحية السلمية وهي حزب العدالة بزعامة هدايت نور واحد والجمعية المحمدية ويرأسها أمين رئيس ويشكلا معاً كتلة الإصلاح في البرلمان الاندونيسيس ، وحزب التنمية المتحد ويتزعمه حمزة هاسي نائب الرئيسة ميجاواتي سوكارنو ، وثالثاً : حركات التغيير بالقوة وأهمها مجلس مجاهدي اندونيسيا بقيادة الشيخ أبو بكر باعشير وجماعة جيش الجهاد بزعامة جعفر عمر طالب وتأسس عام 1999 في جزر الملوك للدفاع عن المسلمين ضد هجمات المسيحيين ولها صلات بالجيش ، رابعاً : وأخيراً حركات العنف وتتمثل في الجبهة الإسلامية بزعامة الشيخ حبيب رزق هاشم وهي حركة صغيرة وحديثة النشأة .

مخطط أمريكي :

وإزاء هذا التواجد المكثف للحركات الإسلامية في البلاد فقد صدرت تحذيرات أمريكية من إمكانية أن يؤدي الفقر ووجود الإسلاميين في الحكومة إلي نهاية النفوذ الأمريكي في أندونيسيا تماماً كما وقع في إيران بإعلان ثورة الخميني الإسلامية ضد حكومة الشاه الموالية لواشنطن .

ورأي يوسف وندي مؤسس مركز جاكرتا للدراسات السياسية والاستراتيجية الدولية بأنه مالم تمارس الولايات المتحدة سياسة أكثر توازناً في الصراع العربي ـ الإسرائيلي فإن القادة المعتدلين سيجدون صعوبة في مواجهة نفوذ المسلمين الراديكاليين علي الرأي العام المحلي مضيفاً بالقول أن الناس يشاهدون كل يوم قمع إخوانهم المسلمين وإهانتهم وإذا ما هاجمت الولايات المتحدة العراق ستتحول النقمة إلي حقد وكراهية حقيقيين .

وبدلاً من أن تأخذ الإدارة الأمريكية بمثل هذه الرؤي في الاعتبار فإنها لم تعترف ـ كالعادة ـ بالأسباب الجذرية مثل مساندة الأصولية المسيحية في البلاد والسياسات الأمريكية المنحازة ضد العرب والمسلمين واتهمت المجتمعات العربية والإسلامية بانها دول عاجزه ومتأصلة في الشر بسبب ارتباطها بدين عنيف هو الإسلام ومعارضتها للغرب.

وهناك رأي يؤكد علي اتهام المخابرات المريكية بتنفيذ انفجار بالي الذي جاء في سياق التصعيد الأمريكي ضد الإسلام السياسي في اندونيسيا ويري أن واشنطن تهدف إلي خلق بيئة داخلية وإقليمية لا تسمح بنمو تلك الحركات وتقليل تأثيرها في آن ، ولذلك فإنها صعدت منذ بضعة شهور ضدها فأطلقت علي أندونيسيا أفغانستان الجديدة وذلك بتشبيه الحركات الإسلامية الاندونيسية بتنظيم القاعدة ، كما روجت تقارير استخبارية عن انتقال تنظيم القاعدة إلي  اندونيسيا بعد زيارة لبن لادن والظواهري قاما بها لهناك قبيل أحداث 11/9 وجاء فيها أيضاً أن تمركز الإرهاب في جنوب شرق أسيا كان بناء علي معلومات أدلي بها شخص يدعي عمر الفاروق ممثل القاعدة في المنطقة الذي اعتقلته السلطات الأندونيسية في الخامس من يونيو الماضي وتم ترحيله إلي معتقل جوانتانامو .

ويضيف ذلك الرأي أن الانفجار يجيء كذلك في ظل دعوات أمريكية باستئناف التعاون الأمني والتدريب العسكري مع جاكارتا وتقديم مساعدات عسكرية إليها بما يعني أن الولايات المتحدة بلورة بالفعل سياسه خاصة بها تستهدف الحركات الإسلامية في المنطقة بناء علي إجراءات أمنية مشددة مثلما جاء علي لسان نائب وزير الدفاع بول وولفوفيتز بأن نجاح الإرهابيين كان بعد رحيل سوهارتو واختفاء الإجراءات التي كان يستخدمها للجمهم .

تقويم التيار الواقعي :

ومن المعروف أيضاً أن الحكومة الأندونيسية قد فعلت من جهودها مع دول المنطقة لمكافحة ما يسمي الإرهاب منذ وقوع أحداث سبتمبر وقد سارت جهود المكافحة في مسارين اثنين الأول : العمل علي توقيع اتفاق إقليمي بين دول المنطقة ، ويقضي بتبادل المعلومات وتسليم الإرهابيين ، ويهدف الاتفاق بالأساس إلي إبداء القدر الكافي من التفاعل الإيجابي مع الحملة الأمريكية للحرب علي الإرهاب من ناحية والعمل علي تحجيم المعارضة الإسلامية من ناحية أخري غير أن الاتفاق لم يصل إلي سقف معاهدة ولكنه كان بمثابة تفاهم لأن الموقف الأندونيسي كان محكوماً بالتركيبة الراهنة للنخبة السياسبة الحاكمة بما يعني أنه يستبعد الحركات المعتدلة من هذه الجهود .

أما الثاني فيتمثل في تفعيل التعاون بين رابطة الاسيان والولايات المتحدة من خلال إعطاء قضية مكافحة الإرهاب ألوية متزايدة علي أجندا المنظمة وتجلي ذلك في تأكيدها المستمر علي تلك القضية منذ أن أصدرت بياناً مستقلاً في نوفمبر 2001 يدين الإرهاب وحتى البيان الأخير للمنتدي الإقليمي لرابطة الأسيان والذي تضمن عدداً من المحاور الخاصة بمكافحة الإرهاب مثل : تجميد الأصول المالية ، والانضمان إلي الاتفاقيات الدولية الخاصة بمنع اختراق النظم المالية المصرفية والتعاون في مجال تبادل المعلومات والدعم الفني للدول التي تحتاج لتطوير أطرها التشريعية والقانونية وهذا لم يكن في الحقيقه سوي إعادة صياغة أجندة الترتيبات الإقليمية وفق مقتضيات مرحلة ما بعد 11/9 بهدف ربط تلك الترتيبات بالاستراتيجية الأمريكية في تلك المرحلة .

وبغض النظر عن حجية الرأي القائل بمسئولية أجهزة الاستخبارات الأمريكية عن انفجارات جزيرة بالي فإن هناك مصلحة أمريكية في استهداف الحركات الإسلامية في أندونيسيا في هذه المرحلة التي تسعي فيها الإدارة الحالية إلي تنفيذ استراتيجيتها الأمنية الجديدة في العالم الإسلامي وتريد اتخاذ إجراءات غير مباشرة ضد تلك الحركات نظراً لصعوبة تطبيق النموذج الفلبيني في أندونيسيا ذات الغالبية المسلمة ـ بهدف تقليل فاعليتها وأثرها وخاصة مع اقتراب غزو العراق .

وقد أتاحت انفجارات بالي الفرصة لواشنطن لممارسة ضغوط علي جاكارتا بهدف اتخاذ إجراءات قوية تستهدف جميع هذه الحركات خاصة وأن الحكومة الأندونيسية كانت قبل هذه الانفجار تختلف مع الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بتعريف الإرهاب والجماعات المستهدفة وهذا يفهم من قول وزير الخارجية الأندونيسي في أحد اجتماعات الأسيان " تريدون أن نعتقل الجماعات المتشددة لكن التشدد مختلف عن الإرهاب " .

بتعبير أخر هدفت الإدارة الأمريكية إلي تقوية التيار الواقعي داخل الحكومة الأندونيسية في مواجهة التيار الأخر الذي يفرق بين الحركات العنيفه والحركات الإصلاحية المعتدلة ويقود هذا التيار نوري عبدالجليل وزير الدفاع الذي علق علي انفجار بالي بالقول أنه يكشف عن ضرورة مواجهة التحدي وكشف عناصر تنظيم القاعدة الذي ينشط منذ زمن في أندونيسيا .

وفي هذا السياق اتفق بوش وميجاواتي سوكارنو خلال محادثه هاتفيه طويلة عقب الانفجار علي أن الانفجار يتطلب رداً سريعاً وحاسماً وعلي العمل سوياً مع حكومات أخري مثل استراليا لتقديم الضالعين إلي العدالة كما اتفق وزراء خارجية كل من بريطانيا والولايات المتحدة واستراليا واندونيسيا علي أن تنظيم القاعدة لاي يزال قادراً علي بث الرعب والفوضي وطلبت كل من استراليا التي فقدت أكثر من مئة ضحيه في الانفجار وأمريكا جاكارتا اتخاذ أساليب أكثر صرامة ضد الإرهاب .

واتجهت الرئيسه سوكارنو بالفعل إلي منح السلطات الأمنية صلاحيات واسعة كمخرج من الخلاف بين الرئيسه سوكارنو ونائبها حمزه هاسي حول إعلان حال الطوارئ في البلاد الذي تتحفظ عليه أحزاب عدة خشية مخالفات واسعة لحقوق الإنسان في البلاد ووقعت ميجاواتي علي مرسومين لمكافحة الإرهاب يتيحان للشرطة اعتقال المشتبه فيهم لأشهر من دون محاكمات وإنزال عقوبة الإعدام في شئون الإرهاب .

غير أن مثل هذه الإجراءات الأمنية التي يدعوا إلي تطبيقها ولفوفيتز وغيره من الإمبرياليين الجدد لن تؤدي إلي القضاء علي الإرهاب وإنما قد تؤدي إلي تزايد احداثه خاصة وأنهم يدفعون في اتجاه أن يصبح بلا قاعدة او هدف .

 

الصفحة الرئيسية