الشاهد للدراسات السياسية والاستراتيجية        

   
     

 4 - اتفاق روسيا وجورجيا علي تأمين الحدود .. وأثره علي المقاومة الشيشانية

بعد توتر العلاقات بين روسيا وجورجيا ، وحدوث أزمة بين الدولتين وصلت إلي ذروتها بسبب توغل القوات الشيشانية في الأراضي الروسية من وديان بانكيك بعلم  من القيادة الجورجية ، وتهديد روسيا ببدء عملية عسكرية ضد المتمردين الشيشانيين الذين يتخذون من بانكيزي قاعدة خلفية ويختبئون بين 7000 لاجئ يقطنون هذا الإقليم . اتفق الجانبان الروسي والجورجي علي تطبيق اتفاق يتضمن القيام بعمليات مراقبة مشتركة علي طول الشريط الحدودي ، وينظم وسائل الاتصال وتبادل المعلومات .

وكان قد سبق ذلك اتفاق أخر في 6 سبتمبر 2002 بين البلدين يتضمن القيام بعملية مشتركة لتطهير إقليم بانكيزي من الميليشيات الشيشانية ، حيث تعتبر بانكيزي قطباً جاذباً للمقاتلين الشيشانيين الساعين لطرد الروس خارج وطنهم الأم .

وكانت أحداث سبتمبر فرصة لروسيا من أجل الضغط علي الحكومة الجورجية لمحاربة المقاتلين الشيشانيين ، وطردهم من إقليم بانكيزي ، حيث ربطت بين هؤلاء المقاتلين وبين تنظيم القاعدة ، قائلة أنهم اتخذوا من ذلك الإقليم مأوي لهم ، وقد كان هذا من أهم أسباب دعم الكرملين للبيت الأبيض في حربه ضد الإرهاب من أجل أن تمتد تلك الحرب لتصل إلي تلك المنطقة من العالم ، وقد ربطت روسيا ـ أيضاً ـ بين قضائها علي المقاتلين الشيشانيين في جورجيا وبين قضاء الولايات المتحدة علي تنظيم القاعدة في أفغانستان لدرجة وصلت إلي حد اعتبار أن الهجوم علي الشيشانيين في جورجيا يعد مماثلاً للهجوم علي القاعدة في أفغانستان .

وقد سبق للمقاتلين الشيشانيين أن قاموا بعدة عمليات انطلاقاً من الأراضي الجورجية ، وهذا ما أثار حفيظة الروس وجعلهم يصمموا علي القيام بعمليات عسكرية ضد جورجيا من أجل استئصال المقاتلين الشيشان ، إلا أن معارضة جورجيا لذلك بدعم من الإدارة الأمريكية ، كان يحول بين الروس وبين ما يريدون ، إلا أن التهديدات الروسية كان لها وقع علي القيادة الجورجية ، مما دفعها إلي إرسال بعض قواتها إلي إقليم بانكيزي وإعلانها أنها أخذت علي عاتقها عمليات ضد الإجرام وضد الإرهاب في الإقليم .

ويبدو من ذلك كله أن روسيا أيقنت مؤخراً بعجزها عن هزيمة المجاهدين الشيشانيين وحدها ، الأمر الذي يحتم عليها إقامة علاقات تعاون مع الدول المجاورة لها ، والتي يستخدمها المجاهدون الشيشان قاعدة خلفية لانطلاقهم ، من أجل تضييق الخناق علي هؤلاء المقاتلين وحصرهم في منطقة معينة تسهل فيها القضاء عليهم . وكان ذلك أحد أسباب  الاتفاق بين روسيا وجورجيا بعد سلسلة من الخلافات والانتقادات المتبادلة بين الطرفين .

ضرب العراق وحدوث الاتفاق :

ومنذ إعلان الولايات المتحدة حربها علي الإرهاب وهي تحاول كسب الدعم الدولي لقضيتها سواء من خلال الضغط أو من خلال المصالح ، وعندما وصلت الولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب إلي العراق وحدث ما حدث من اختلاف بين الدول وخصوصاً دائمة العضوية في مجلس الأمن حول شرعية تلك الحرب ، والولايات المتحدة تحاول إقناع تلك الدول بمدي أهمية تلك الحرب نتيجة لخطورة نظام صدام حسين علي السلم والأمن الدوليين.

 ولأن روسيا من الدول المعارضة لتلك الحرب لتشابك مصالحها مع العراق ، فإن الولايات المتحدة تحاول إثنائها بشتي الطرق عن ذلك ، بالضغط أحياناً عن طريق رفضها قيام روسيا بتوجيه ضربة عسكرية لجورجيا مما يتيح للمقاتلين الشيشانيين فرصة التسلل إلي الأراضي الروسية وتنفيذ هجمات ضد القوات الروسية ، وأحياناً أخري عن طريق تطمين روسيا علي أن مصالحها مع العراق لن تمس بعد إقصاء صدام حسين عن الحكم .

ولأن الوضع في جورجيا يقلق روسيا لدرجة وصلت إلي حد اعتبار روسيا أن جورجيا مقابل العراق ، أي أن تترك الولايات المتحدة لروسيا حق التعامل مع جورجيا ، مقابل أن توافق روسيا علي ضرب العراق، وانتهت المفاوضات التي قرر فيها بوش وبوتين التعاون معاً في حل الصراعات الإقليمية ، إلي عقد اتفاق بين روسيا وجورجيا ، يقوم من خلاله الطرفان بتأمين الحدود المشتركة بين الجانبين لمنع المقاتلين الشيشان من التسلل إلي الأراضي الجورجية .

قد يكون ذلك الاتفاق دليلاً علي قرب الحرب الأمريكية علي العراق ، خصوصاً بعد قيام الولايات المتحدة بتحييد الدور الروسي المعارض لتلك الحرب ، وما يؤكد ذلك هو خفوت الصوت الروسي المعارض بشدة لتلك الحرب في الأونة الأخيرة ، حيث ألمحت روسيا إلي أنها قد توافق علي استخدام القوة ضد العراق في حالة موافقة مجلس الأمن .

مصير الاتفاق :

من المعروف أن الحكومة الجورجية لا تريد أن تكون طرفاً في الحرب الشيشانية - الروسية ، ومن ثم فهي ترفض الدخول في معركة مع المقاتلين الشيشان يروح ضحيتها الكثير من الأبرياء ، ومن ناحيتهم يريد المجاهدين الشيشان ذلك ، خصوصاً وأن للحكومة الجورجية فضل كبير عليهم ، حيث يوجد بالأراضي الجورجية الكثير من اللاجئين الشيشان ، نتيجة لذلك يحرص كلا الطرفين علي عدم الدخول في معركة قد تكون خاسرة لكليهما ، ولكن لكثرة الضغوط التي تتعرض لها الحكومة الجورجية نتيجة لوجود المقاتلين علي أراضيها .

فإن الحكومة تحاول إجلائهم بالطرق السلمية ، ودون الدخول في معركة معهم ، إلا أن الحكومة الروسية ترفض إجلاء هؤلاء المقاتلين إلي أراضيها مرة ثانية لأنهم مصدر إزعاج شديد بالنسبة لها ، وكذلك لا تريد الحكومة الجورجية بقاءهم ، وهذا ما قد يؤدي إلي توتر العلاقات بين الجانبين مرة ثانية لدرجة قد يلغي فيها الاتفاق . خصوصاً وأن الاتفاق الذي وقع بين الجانبين كان ثمرة ضغوط دولية ، واستثمار من قبل روسيا لتلك المرحلة الصعبة التي يمر بها العالم من أجل تحقيق مصالحها المتعثرة ومن هنا فإن ذلك الاتفاق قد لا يدوم بعد انتهاء الولايات المتحدة من أمر العراق إما بالتسوية أو بالحرب .

وأياً كان مصير الاتفاق ، فإن المجاهدين الشيشان ربما تعرضوا لخضارة من توقيع مثل هذا الاتفاق ، حيث سيحرمهم من قاعدة استراتيجية بالنسبة لهم كانوا يستخدمونها للهجوم علي القوات الروسية  وإن كان ذلك لن يوقف المقاومة إلا أنه سيحد منها ، خصوصاً وأن روسيا بذلك تكون قد فتحت جبهتين أمام المقاتلين الشيشان ، الجبهة الجورجية التي لن تسكت في حالة انطلاق أي هجوم من أراضيها مما قد يسبب أضراراً بالغة سواء بالنسبة للمقاتلين أو بالنسبة للاجئين الشيشان ، والجبهة الثانية هي الجبهة الروسية التي تحاول القضاء علي المقاتلين بشتي الطرق .

من هنا يتحتم علي المقاتلين الشيشان أن يوقفوا عملياتهم المنطلقة من الأراضي الجورجية في تلك المرحلة الصعبة التي يمر بها العالم ، كما أن عليهم أن ينفوا أي صلة لهم بتنظيم القاعدة ، حتى لا يتهمهم العالم بالإرهاب ، وهذا ما تحاول روسيا إلصاقه بهم من أجل أن تمتد حرب الولايات المتحدة ضد الإرهاب إليهم .

الأحداث الجارية ودور العرب فيها :

يبدو من نتائج الأحداث الأخيرة ان العالم قد تغير حقاً بعد 11 سبتمبر ، واتجه ناحية الهيمنة الأمريكية علي العالم عموماً ، وعلي العالم الإسلامي خصوصاً ، وتلك الحرب التي تخوضها الولايات المتحدة ليست من أجل القضاء علي الإرهاب فقط ، بل للقضاء علي الإسلام في صدور أصحابه ، وليس أدل علي ذلك من تدخلها في مناهج التعليم في الدول الإسلامية بما يخدم مصالحها وهيمنتها ، ويشارك الولايات المتحدة في تلك الحرب كل الدور الغربية بما فيها روسيا التي كفت الولايات المتحدة أمر الإسلام في القوقاز بقيامها بمحاربة المسلمين في الشيشان .

وقد وصلت تلك الحرب لدرجة أن أعلنت الولايات المتحدة أنها ستخوض تلك الحرب ولو بمفردها فإما أن يستجيب مجلس الأمن والأمم المتحدة لما تريده الولايات المتحدة وإلا ستضرب الولايات المتحدة بهما وبقراراتهما عرض الحائط ، ومن هنا فإن جل دول العالم تحرص علي موافقة الولايات المتحدة فيما تنوي القيام به ، فها هي الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن تتراجع رويداً رويداً عن قراراتها الرافضة لضرب العراق خصوصا بعد موافقة العراق غير المشروطة علي عودة المفتشين إلا أن الولايات المتحدة تأبي ذلك ، وتصر علي تغيير القيادة في خطوة غير مسبوقة .

وتمشياً مع هذا النهج الجديد في العلاقات الدولية ، نهج القوة ، عمدت روسيا إلي الضغط علي جورجيا من أجل مشاركتها في محاربة المقاتلين الشيشان وبضوء أخضر من أمريكا التي تسير جورجيا في فلكها ، وقد كان لروسيا ما أرادت .

ومن هنا يتحتم علي العرب عموماً وعلي المسلمين خصوصاً أن يتيقنوا أن الولايات المتحدة لن تبقي علي أحد ، فأصدقاء اليوم قد يكونوا أعداء الغد ، مثلما أصبح أصدقاء الأمس أعداء اليوم ، ولا أحداً يدري علي من سيكون الدور القادم .

لذا علينا أن نتخذ موقفاً أكثر إيجابية من تلك الموافق السلبية التي نتخذها حيال قضايانا سواء في فلسطين أو في العراق أو في القوقاز ، فالقضايا جميعها تصب في خانة واحدة هي حماية الإسلام المحارب في كل مكان ، فإن لم ندافع عن أنفسنا اليوم فمتي ندافع عنها ؟ ، ويكون واهماً من يظن أنه بدعمه للولايات المتحدة يحافظ علي دولته وعلي سلطته وعلي كيانه ، لأن ذلك كله معرض للضياع ، إن لم يكن بيد الولايات المتحدة فنسها فسيكون بيد الشعوب ، التي لا ترضي بذلك الموقف المتخاذل من الحكام المسلمين تجاه قضاياهم المشتركة والمتشابكة .

إن العالم أصبح يدور في فلك المصلحة ، فكل بلد تحرص علي مصلحتها أكثر مما تحرص علي أرواح البشر الآخرين ، وهذا يحتم علينا أن نبحث مثلهم عن مصلحتنا تلك المصلحة التي تتمثل في تكاتفنا وتعاوننا من أجل اتخاذ موقف واحد من كل القضايا ، فروسيا لا تختلف عن أمريكا كما أن أمريكا اليوم لا تختلف عن بريطانيا بالأمس وبالمثل فرنسا وأسبانيا وغيرها من الدول الأوروبية التي تنظر إلينا نظرة دون واستحقار .

 

الصفحة الرئيسية