الشاهد للدراسات السياسية والاستراتيجية        

   
     

 5 - مناقشة تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2002

عقد مركز الدراسات وبحوث الدول النامية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ندوة لمناقشة تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2002  .

وقد حصل التقرير علي جائزة الأمم المتحدة باعتبار أنه أفضل تقارير التنمية في العالم ، إلا أن بعض العرب قد هاجم التقرير لأنه يناقش بصراحة الأوضاع السائدة في الوطن العربي سواء كانت أوضاع سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية .

وقد تضمنت الندوة عدة جلسات بدأت بالجلسة الافتتاحية حول مفهوم التنمية الإنسانية والإطار العام للتقرير ، وقد أوضح الدكتور محمد الإمام  خلال الجلسة ، أن التنمية بصفة عامة ركزت دائماً علي الجانب الاقتصادي أو أصبحت تقاس بمدي انطلاق الاقتصاد وحرية الاقتصاد والسوق ، وكأن البشر عبيد هذه الوصفات وليسوا أصحاب الحق في ذلك ، وهذه هي الصيحة الأولي التي تقدوها الولايات المتحدة والمعسكر الرأسمالي ألا وهي استقرار الاقتصاد وليكن ما يكون من بطالة وغيرها .

إلا أن التنمية لها جوانبها المتعددة الاجتماعية والسياسية والثقافية وغيرها ، والتي تهم الإنسان بالدرجة الأولي لأنها تهدف إلي إعلاء شأن الاقتصاد بما يخدم الإنسان في نهاية المطاف .

وقد لوحظ أن التنمية البشرية بصفة خاصة تركز علي جانب التكوين البشري المادي والعضوي للأفراد، وليس علي ذاتيتهم أو أحقيتهم في الحياة وتحصيلهم أو حرياتهم وهو ما يمثل الجانب المعنوي حتى يتحقق التوازن والتكامل الاقتصادي ، بين الأبعاد المختلفة للتنمية في كل مجتمع من المجتمعات ، وعلي هذا الأساس فقد استخدم التقرير مصطلح التنمية الإنسانية بدلاً من التنمية البشرية لأن الأولي تركز علي الجوانب المادية والمعنوية للأفراد ، فالقضية ليست وجود قدرات مادية بشرية ، وإنما لابد من استخدام هذه القدرات استخدام عقلاني علي الوجه الأمثل .

وقد أوضح الدكتور الإمام أن الأمة العربية متقاربة جغرافياً وعقائدياً ، إضافة إلي عامل مهم وهو وحدة المصير ن ومع ذلك هناك تباعد كبير في عديد من القضايا وهذا علي مستوي المجتمع العربي بأكمله الذي ينظر إليه دولياً ويتم التعامل معه وعقابه علي أنه مجتمع عربي موحد .

وعلي هذا الأساس أكد ان التقرير يعد صيحة لتوعية الأمة العربية ليس من جانب النقد فقط ، ولكن للعلاج عن طريق التقارب العربي في جميع المجالات .

ومن جانبه أوضح الدكتور نادر الفرجاني وهو من فريق التقرير ومدير مركز المشكاة والمنسق الرئيسي للتقرير ، أوضح أن التنمية الإنسانية كمصطلح لا يعوض عن التنمية البشرية ، وتعني تكوين القدرات البشرية مثل تحسين الصحة وتطوير المعرفة والمهارات ، وتوظيف هذه القدرات البشرية في الاقتصاد والاجتماع والسياسة ، وغلا سيكون هناك إحباك في المجتمع ، بما يمنع من الوصول إلي الرفاه المادي .

وهذا التوظيف لن يتم إلا عن طريق اكتساب المعرفة  وتمكين المرأة والحكم المؤسسي الصالح والمشاركة الشعبية الفعالة ، حتى تكتمل جوانب التنمية الإنسانية جميعها ، لذا أكد أن هناك رابطة وثيقة بين التنمية الإنسانية وهذه العوامل .

ومن هذا المنطلق فقد أوضح الفرجاني أن التقرير يتضمن ثلاثة نواقص تعيق التنمية الإنسانية في الوطن العربي وهي نقص الحرية ونقص تمكين المرأة ونقص المعرفة .

فبالنسبة للحرية في الدول العربية سجلت الدول العربية حسب التقرير أقل متوسط قيمة لمقياس الحرية في العالم عام 98 ، وهي 0.2 كما يعد متوسط قيمة مؤشرات التمثيل والمساءلة والحكم الصالح في الدول العربية أقل متوسط في العالم حيث بلغ نحو -1عام 98 ومن ثم تعد المنطقة العربية هي أسوء المناطق الداخلة في هذا التمثيل والمساءلة ، أما بالنسبة لمقياس تمكين المرأة العربية فقد بلغ نحو 0.3 عام 95 حسب بيانات التقرير ، وهي أدني مناطق العالم ، كما تعاني المنطقة العربية أدني معدلات إمكان التوصل إلي تقنيات المعلومات والمعرفة حتى أقل من أفريقيا ، حيث تكاد تكون البلدان العربية قريبة من الصفر في مجال تكنولوجيا المعلومات .

وقد أوضح الفرجاني أيضاً أن هذه النواقص تعد من أهم أسباب ضعف التنمية الإنسانية ومن أهم مؤشرات هذا الضعف انتشار أشكال مختلفة من اعتلال الصحة وانتشار الأمية حيث يقدر عدد الأميين بنحو 70 مليون من البشر ، والحرمان من التعليم الأساسي وانتشار البطالة التي بلغت نحو 15 % في المنطقة العربية ، في حين تبلغ نحو 5% في العالم ، وقلة نمو الدخل عام 75-98 ، وهناك أيضاً مؤشرات أخري خاصة بانخفاض الناتج القومى الإجمالي ، كذلك انخفاض إنتاجية العمل حيث انخفضت خلال الفترة 1960-1990 بينما ارتفعت في بقية دول العالم ، وضعف المشاركة السياسية والعمل الأهلي وهو ما يعني قلة التوظيف القدرات البشرية .

وعلي هذا الأساس فإن هذا التقرير بداية هامة لتحسين مقاييس ومؤشرات التنمية الإنسانية العربية .

وقد عقدت الجلسة الأولي حول عجز التنمية الإنسانية في الوطن العربي خاصة عجز المعرفة ، وفي هذا الإطار أشار الدكتور نبيل علي مدير شركة هندسة اللغة إلي أن التقرير أوضح أن هناك نقصًا كبيرًا في المعرفة في الوطن العربي ، وأن هناك تحديات كثيرة وراء ذلك .

وحول هذه التحديات تحدث الدكتور نبيل عن خصوصية الوضع العربي من منظور التنمية المعلوماتية والتي تتمثل في توفير الموارد والكتل الحرجة ، وتزايد أهمية البعد اللغوي ، والتحدي الإسرائيلي بمعلوماتى ومواجهة تحدي التنمية المعلوماتية وسط العديد من الأزمات ، إضافة إلي أن المنطقة العربية لا تقع في مجال التأثير المباشر للمراكز المتقدمة تكنولوجياً .

وأوضح أن هناك فرقًا بين المعلومات والمعرفة ، فلا يكفي أن يكون هناك معلومات فحسب ، بل القضية هي تحويل المعلومات إلي معرفة عن طريق الوصول إلي هذه المعلومات وتوظيفها في مجالات عديدة فمثلاً نجد أن عدد الإنترنت والكمبيوترات في الدول العربية مقارنة بالعالم لكنها متخلفة في عدد مستخدمي الإنترنت وعدد المواقع ، وهذا يعني أ مستوي الاقتناء المباشر جيد ، أما من ناحية الاقتناء الفعلي فهناك تخلف كبير وهذه هي المشكلة .

وفي هذا السياق أشار نبيل علي أن الفجوة الرقمية تزداد يوماً بعد يوم بين البلدان العربية والعالم ، المتقدم ، وأهم أسباب ذلك هو ارتفاع كلفة إنشاء البنية التحتية لطرق المعلومات الفائقة السرعة ، والنزيف المتزايد للعقول العربية ، وقد لوحظ أن الأردن ومصر من أكثر الدول العربية استنزاف عقول أبنائها وهجرتها للخارج ، وهذا إلي جانب سرعة تغير التكنولوجيا المعلومات بما يزيد من صعوبة التخطيط التكنولوجي ، كما أن التوجهات الحديثة لتطوير التكنولوجيا المعلومات تعمل علي احتكار صنعة البرمجيات ، إضافة إلي كون تكنولوجيا المعلومات بحكم طبيعتها ذات قابلية عالية للاحتكار والدمج .

وقد تساءل الدكتور نبيل خلال الجلسة هل تكنولوجيا المعلومات في ظل الأنظمة السياسة والاقتصادية السائدة ، هل ستؤدي إلي تنمية علمية وتكنولوجية أسرع أم إلي قابلية عالية للاستقطاب إلي زيادة الإنتاجية أم إلي مزيد من الصناديق السوداء ، هل ستؤدي إلي معلومات أكثر أم إلي معرفة أقل ، إلي تعليم ورعاية صحية أفضل أم إلي زيادة كلفة الخدمات ، إلي مزيد من الديموقراطية أم علي مزيد من سيطرة الحكومة ، إلي عدالة اجتماعية أم غلي فجوة رقمية ، علي إلي فرص عمل أم إلي مزيد من البطالة ، هل إلي أنماط عمل أكثر إنارة وإبداعاً أم إلي أعمال أكثر ضجراً وفي النهاية إلي حوار ثقافات أم إلي صراع حضارات .

وقد سمي هذه التساؤلات أرجوحة الآمال والمخاطر العربية ن وأوضح أنه إذا تم إصلاح الأنظمة السياسية والاقتصادية فسوف تتحول هذه الأرجوحة إلي أمال ، أما إذا بقيت ما هي عليه الآن فإن المخاطر سوف تزداد وسوف تتحول تكنولوجيا المعلومات إلي خطر يداهم الجميع .

ومن جانبها أشارت الدكتورة ملك زغلول مدير برامج التعليم باليونسيف أن ركائز المعرفة تتمثل في الاستيعاب والاكتساب والنشر وإنشاء المعرفة وهذه الأخيرة لا تتوافر في الدول العربية ، بما يسبب فجوة بين الشمال والجنوب ، لأن أغلب النظريات المعرفية صادرة من الشمال وأوضحت أن النسق التعليمي في الدول العربية بما فيه مصر وقف عند حد التذكر ، لكن التحليل والتركيب والتقويم ليس لها صدي .

كما أوضحت أن سياسة العلم في المنطقة بعيدة عن الخطاب الثقافي العربي ، وأن العلم في المنطقة خاصة وفي مصر لا يمكن أن ينهض في ظل الإطار السياسي والاقتصادي الموجود ، وأشارت إلي أن هناك تقدم علمي في بعض المجالات في كوبا تلك الدولة الفقيرة المحاصرة اقتصادياً لمدة 40 عاماً وذلك بما يفوق الدول العربية .

وقد عقدت الجلسة الثانية حول عجز الاقتصاد والقوي البشرية ، وفي هذا الإطار أوضحت الدكتورة سحر الطويلة أستاذ مساعد الإحصاء بكلية الاقتصاد أن التقرير تناول 3 أبعاد رئيسية وهي التشغيل الاقتصادي والبطالة ، والنمو الاقتصادي ، ووضعية الفقر ، لكنها ركزت في كلمتها علي الجانب الخاص بوضعية الفقر ، وانتقدت التقرير في عدم طرح هذا الجانب طرحاً وافياً شاملاً ، وأكدت أن هذا الجزء هو أقل الأجزاء التي نالت حظاً في التقرير ، علي الرغم من أن وضعية الفقر كما أوضحت هي العامل المشترك بين الفقر المادي المتمثل في نقص الأموال والمتاع ، وبين الفقر غير المادي وهو فقر القدرات البشرية .

وأشارت أنه لا يوجد خلفية عن وضعية الفقر في المنطقة العربية ، كما أشارت أيضاً إلي أن الالتزام السياسي القوي والراسخ هو العنصر الحاسم لتأمين مستقبل أفضل وإزالة الفقر في المنطقة العربية .

ومن ناحية أخري أوضحت الدكتورة سعاد كامل رزق أستاذ مساعد الاقتصاد بكلية الاقتصاد وعضو مجلس الشوري ، أن التقرير قد ركز علي خطورة مشكلة البطالة العربية باعتبارها مأساة وعبء علي التقدم الاقتصادي ، وأشار إلي أن مساهمة القطاع الخاص المنظم في التنمية دون المتوقع ولم يساهم كثيراً في توفير فرص العمل ، أما فيما يخص القطاع العام فإن قدرته علي توفير فرص العمل قد ضعفت خلال العقدين الأخيرين .

وبالنسبة للقطاع غير المنظم فقد أشار التقرير أنه القطاع الوحيد الذي وفر فرص عمل ، لذا فإن التقرير يقترح جلسة وطنية لتنشيط المشروعات الصغيرة في هذا القطاع ، لكنها أكدت أه لابد من البدء في أولي الخطوات مع هذا القطاع وذلك عن طريق الاعتراف بما يمثله من أهمية في تخفيف الأزمة والبطالة ، والاقتناع بأنه ذو وظيفة خاصة لابد من التعامل معها بحذر ، وهذا الطبيعة الخاصة هي سبب توفيره لفرص العمل ، فهو يتسم بصفة الحجم وسهولة التشغيل ، وبدء النشاط به ، واستخدام عوامل إنتاجية كثيفة العمل تعتمد علي عمل أفراد الأسرة ، وغياب قنوات التمويل الرسمي والقدرة علي الاقتراض من مؤسسات غير رسمية ، وعدم القيد بالسجلات الرسمية كالسجل التجاري وغيرها نتيجة التنوع الشديد لنشاط هذا القطاع ، والنظم الموجودة غير ملائمة لتحقيق ذلك ، كما أنه يتسم أيضاً بأن نشاطه يتجه عكس اتجاه الدورة الاقتصادية بما يميزه عن غيره من القطاعات ، فهو ينمو في أوقات الركود ويتباطأ في أوقات الرواج ، وقد شهد التشغيل فيه نمواً هائلاً في مختلف الدول طبقة برامج التكيف منذ منتصف الثمانينات .

وأوضحت أنه يمكن اعتبار هذا القطاع نفياً للدولة ، إلا أنه يلعب دوراً كبيراً في الاستقرار الاجتماعي من خلال توفي فرص عمل وسلع رخيصة نسبياً . وأثارت الدكتورة تساؤلا هاما ، هل من الأفضل أن نتركه يعمل دون التدخل من الحكومة ، أم إضفاء الطابع الرسمي عليه عن طريق إلزامه بالتسجيل ودفع الضرائب وقوانين العمل وغيرها .

في هذا الإطار تري أنه من الأفضل عدم التدخل الحكومي أو إضفاء الصبغة الرسمية علي هذا القطاع لاعتبارات عدة أهمها ، حتى يظل مميزاً عن غيره من القطاعات خاصة وأنه يقوم بأنشطة مشروعه ، كما أن فرض الضرائب عليه ستكون غير قابلة للتطبيق ، ومن ناحية أخري يمكن أن يؤثر الطابع الرسمي علي مرونة العمل داخل القطاع ، بما يؤثر علي توفيرفرص العمل في ظل ازدياد وضخامة البطالة التي من المتوقع أن يتضاعف عدد المتعطلين بحلول عام 2010 إلي 25 مليون عاطل .

 

الصفحة الرئيسية