الشاهد للدراسات السياسية والاستراتيجية        

   
     

حسـن الجمـل.. مسيرة جهـاد

ي عام 1930م وُلِدَ حسن الجمل في حي منيل الروضة ـ أحد أحياء القاهرة الجميلة، والذي يطل على نهر النيل، حيث نشأ في أسرة طيبة، وتعرَّف الصبي حسن الجمل دعوة الإخوان المسلمين والتقى مؤسسها ومرشدها الإمام حسن البنا في عام 1942م، ليصبح بعد ذلك أحد أعضاء شعبة المنيل، فيقضي فيها معظم وقته بين القراءة والعبادة والتربية والرياضة والتسلية والتثقيف، حيث كانت شعبة الإخوان المسلمين تضم المسجد والنادي والمدرسة، وتقدم لروادها أنواع الأنشطة الروحية والعقلية والبدنية كافة.

وفي عام 1948م سمع حسن الجمل منادي الجهاد يدعو إلى قتال الصهاينة على أرض فلسطين فلبى النداء، وذهب إلى معسكرات تدريب كتائب الإخوان المسلمين، التي كان يشرف على تدريبها بعض ضباط الجيش المصري آنذاك.

شارك حسن الجمل في كتائب المجاهدين على أرض فلسطين، وقدم مع إخوانه بطولات عظيمة، دفعت بعض الحكام العملاء آنذاك إلى إعلان الهدنة وتقديم هدية كبيرة لهم، تمثلت في حل جماعة الإخوان في 8 من ديسمبر 1948م، واغتيال مرشدهم في 12 من فبراير 1949م، ثم استقبالهم عند عودتهم من فلسطين وإيداعهم معتقل الطور تكريماً لهم.

وأمضى الجمل والمجاهدون في معتقلات الطور وعيون موسى عاماً كاملاً.

ثم يعود حسن الجمل في عام 1951م مجاهداً مع فدائيي الإخوان المسلمين على ضفاف القنال ضد المستعمر الإنجليزي.

ومرة أخرى يُكافأ حسن الجمل مع الآلاف من إخوانه، فيعتقل في عام 1954م، لمدة عامين قضاهما في السجن الحربي، ليخرج منه بعد أن حُكم عليه بعشر سنوات مع وقف التنفيذ، ثم يعاد اعتقاله مرة ثالثة في عام 1965م، ليبقى هذه المرة بالسجن لأكثر من ثلاث سنوات.

تاجر حسن الجمل مع الله، فربحت التجارة، وتاجر مع الناس فكسب قلوبهم، حيث أسهم في إنشاء العديد من الجمعيات الخيرية، ودور الحضانة والمدارس، والمشاغل، ودور الأيتام.

وفي عام 1979م، انتخبه أهل دائرته ليمثلهم في مجلس الشعب، ثم انتخبوه ثانية في عام 1984م، عندما تحالف الإخوان المسلمون وحزب الوفد، وانتخبوه ثالثة في عام 1987م، عندما تحالف الإخوان وحزبي العمل والأحرار.

وفي أكتوبر 1990م، كان حسن الجمل على رأس عدد كبير من القيادات الشعبية، والنقابية، والجامعية، والطلابية، التي اعتقلت وذلك قبيل انعقاد مؤتمر مدريد للاستسلام، وكانت التهمة التحرك من أجل القضية الفلسطينية، والإساءة إلى دولة صديقة "إسرائيل".

وكان لي شرف الاعتقال معه كما كان لي شرف الاتهام، حيث أُودعت معه ومع الدكتور أحمد عمر ـ الأمين العام المساعد لنقابة الأطباء ـ في زنزانة واحدة بسجن استقبال طرة، فكان لكل السجناء نعم الرائد والأب.

وأعيد اعتقاله في عام 1995م مع عشرات الإخوان من القيادات السياسية، والنقابية، والجامعية، والشعبية، وكانت التهمة الاستعداد لخوض الانتخابات البرلمانية، وقُدم حسن الجمل وإخوانه إلى المحاكمة العسكرية بهذه التهمة الغريبة.

وكنت معه في السجن مرة أخرى لأراه باشّـاً مستبشراً، وعندما صدر حكم المحكمة العسكرية بسجنه ثلاث سنوات استقبله بصبر واحتساب.

أنشأ مع إخوانه في السجن مجموعة من ورش العمل التي تدرس القضايا الوطنية والإسلامية، إضافة إلى عدد من كتاتيب تحفيظ القرآن الكريم، ومدارس العلوم الشرعية، والإنسانية، والكونية، وكانت فترة حافلة بالفائدة، إذ استطاع أغلب الإخوان إتمام حفظ القرآن الكريم في وقت قياسي، إضافة إلى دراسة العديد من العلوم.

على المستوى الشخصي، تزوج ابنه الأصغر هشام، وابنته الصغرى دعاء وبنى كل منهما بيتاً جديداً على طريق الوالد، وأنجبت دعاء التي تزوجت فيما كان أبوها بالسجن "مريم" التي رأت جدها بعد أن خرج في الشهر قبل الماضي.

ومع بداية عام 1998م، أصيب حسن الجمل (68) عاماً، بأزمة قلبية نقل على إثرها إلى مستشفى القصر العيني، لتجرى له عملية القلب المفتوح، ويتم تغيير أربعة شرايين بالقلب، ثم أجريت له جراحة البروستاتا بعدها بأيام.

يوم إجراء عملية القلب، طلب الأطباء أن يتقدم أربعة من أسرة المريض ليتبرعوا بالدم، فتقدم مئات المتطوعين ـ معظمهم من النساء ـ من دائرة المنيل ليمتلئ بهم المستشفى في شكل مظاهرة للتبرع بالدم لمجاهد بذل حياته في خدمة دينه ووطنه.

وبالرغم من سن الحاج حسن الجمل ومرضه، إلا أن الحراسة لم تفارقه لحظة واحدة، كما أن القيد الحديدي، والذي كان يضيف آلاماً كبيرة إلى آلام المرض لم يفارق معصمه أيضاً، حيث كان مقيداً به إلى قائم سريره.

وكما دفع حسن الجمل فاتورة علاجه الباهظة، والذي استمر لعدة أشهر، اضطر إلى شراء سلسلة حديدية لتربطه في القيد كي تتيح له شيئاً من حرية الحركة وهو نائم على سرير المرض.

لم يشفع مرض حسن الجمل له كي يخرج بإفراج صحي ـ مثلما تعامل الدولة عتاة المجرمين ـ ولم يفرج عنه بنصف المدة أو ثلاثة أرباع المدة ـ كما يحدث مع السجناء الجنائيين ـ ولكنه أمضى مدته ثلاث سنوات كاملة غير منقوصة.. وخرج ليستأنف مسيرته في الجهاد... وما هي إلا أسابيع حتى لقي ربه راضياً مرضياً، تودعه قلوب الآلاف من إخوانه ومحبيه .