الشاهد للدراسات السياسية والاستراتيجية        

   
     

العالـم الداعيـة سـعيد حـوى

بقلم المستشار عبدالله العقيل مع رد سريع من أم عبد الرحمن على تعريفه

هو الشيخ سعيد بن محمد ديب حوى، ولد في مدينة حماة بسورية سنة 1935م، توفيت والدته وعمره سنتان فتربى في كنف جدته، برعاية والده الذي كان من المجاهدين الشجعان ضد الفرنسيين، عاصر في شبابه أفكار الاشتراكيين والقوميين والبعثيين والإخوان المسلمين واختار الله له الخير بالانضمام إلى الإخوان المسلمين سنة 1952م، وهو في الصف الأول الثانوي.

وقد درس على يد عدد من المشايخ في سورية في مقدمتهم: شيخ حماة وعالمها الشيخ محمد الحامد، والشيخ محمد الهاشمي، والشيخ عبدالوهاب دبس وزيت، والشيخ عبدالكريم الرفاعي، والشيخ أحمد المراد، والشيخ محمد علي المراد، كما درس على يد الأساتذة: مصطفى السباعي، ومصطفى الزرقا، وفوزي فيض الله وغيرهم، وقد تخرَّج في الجامعة 1961م ودخل الخدمة العسكرية سنة 1963م ضابطاً في الاحتياط وتزوج سنة سنة 1964م حيث رزقه الله بأربعة أولاد.

حاضر وخطب ودرَّس في سورية والسعودية والكويت والإمارات والعراق والأردن ومصر وقطر والباكستان وأمريكا وألمانيا، كما شارك في أحداث الدستور في سورية سنة 1973م مشاركة رئيسية، حيث سجن لمدة خمس سنوات من (5-3-1973م ـ 29-1-1978م)، وقد ألَّف وهو في السجن كتاب الأساس في التفسير (11 مجلداً) وعدداً آخر من الكتب الدعوية.

تولى مناصب قيادية في تنظيم الإخوان المسلمين على المستوى القطري والعالمي وشارك في عدة أعمال دعوية وسياسية وجهادية، وفي سنة 1987م أصيب بشلل جزئي إضافة لأمراضه الأخرى الكثيرة، السكري... الضغط... تصلب الشرايين... الكلى... مرض العيون... فلجأ للعزلة الاضطرارية، وفي يوم 14-12-1988م دخل في غيبوبة لم يصح منها، حيث توفاه الله ظهر الخميس 9-3-1989م في المستشفى الإسلامي بعمان.

يقول عنه الأستاذ زهير الشاويش في جريدة اللواء الأردنية بتاريخ 15-3-1989م:

"... قدَّر الله ولا راد لقضائه، وانقضت حياة سعيد بن محمد ديب حوى في المستشفى الإسلامي بعمان ضحى الخميس غرة شعبان المعظم 1409هـ الموافق 9-3-1989م وصُلي عليه بعد الجمعة في مسجد الفيحاء بالشيباني، ودفن في مقبرة سحاب جنوبي عمَّان، وحضر الجنازة جمع غفير، وأَبَّنه كثيرون منهم الأستاذ يوسف العظم، والشيخ علي الفقير، والشاعر أبو الحسن، والشيخ عبدالجليل رزوق، والأستاذ فاروق المشوح، والأديب الأستاذ عبدالله الطنطاوي، وكان تعاطف أهل الأردن الكرام، مع أخ غريب مات في بلدهم، مثل كرمهم مع الأحياء المقيمين عندهم.... كرم باليد وطيب في الكلام، وعفوية في المبادرة.

إن سعيد حوى كان من أنجح الدعاة الذين عرفتهم، أو قرأت عنهم، حيث استطاع إيصال ما عنده من رأي ومعرفة، إلى العدد الكبير من الناس، وقد مات وعمره لم يتجاوز الثالثة والخمسين وهو عمر قصير، وترك من المؤلفات العدد الكبير، مما يلحقه بالمكثرين من المؤلفين في عصرنا الحاضر.... والاختلاف في تقييم كتبه، لا يغير من هذه الحقيقة شيئاً، وكانت لي معه جولات في كتبه وما حوت، ومع أن بعض رأيي كان ذابحاً ولفظي كان جارحاً، إلا أنه تلقاه دائماً برحابة صدر لم أجدها عند صحبي.

زرته في الأحساء وكان في حينها مدرساً في المعهد العلمي، فلم أجد في بيته من الفرش إلا ما يسد حاجة المتقلل، ومن الثياب ما لا يصلح لأمثاله من العلماء والمدرسين في تلك البلاد الحارة، كانت جلابيبه من النوع الحموي السميك، ومازلت به حتى اقتنع، بلبس أثواب بيضاء وعباءة تليق بأمثاله، ولكنه اشترط ألا تكون فضفاضة، وأما الطعام فلم يكن أحسن حالاً من الفرش والثياب، ومما يدخل في هذا الباب تساهله مع الذين تولوا طبع كتبه سواء ممن أذن لهم أو لم يأذن، فقد توالت الطبعات الكثيرة لكتبه ـ بالحلال وبالحرام ـ فما بلغني أنه جعل من ذلك مشكلة مع أحد، وهذا من زهده، إن هذا الخلق وهذا التسامح من سعيد حوى مفخرة، وتذكر أمثولة للناس وهذه شهادتي" انتهى.

لقد عرفته من خلال كتبه، ونشاطه الدعوي في سورية، ومن تلامذته في المدينة المنورة، والتقيته بعد ذلك، في الأردن والكويت وأوروبا وباكستان فوجدت فيه الخلق الفاضل والأدب الجم، والتواضع والزهد، والبساطة في المظهر، والإقبال على الطاعة وكثرة التلاوة والذكر وإدمان القراءة والكتابة في المواضيع الدعوية والحركية والفقهية والروحية والانشغال الكامل بـقضايا الإسلام والمسلمين، والتصدي لطواغيت الأرض الذين خرَّبوا البلاد وأذلوا العباد وسعوا في الأرض الفساد.

لقد كان سعيد حوى طاقة هائلة، وحيوية متدفقة لا يكل ولا يمل، وله باع طويل في التأليف بحيث يفرغ من الكتاب خلال أيام يكون بعدها بأيدي القراء، وهو ذو نزعة صوفية، تغلبه بعض الأحيان، فيخرج عن المنهج العلمي الذي يطالب به ويدعو إليه، كما أن رقّته وطيبة قلبه وحياءه تجعله يؤثر الصمت في بعض المواقف التي تتطلب المصارحة.

لقد سعدنا بزيارته في الكويت أكثر من مرة، وحضر ندوتنا الأسبوعية مساء الجمعة، وتحدث فيها حديثاً شائقاً أخذ بمجامع القلوب، وكان محور حديثه عن منهج الإمام البنا في الاستفادة من الخيرية في كل إنسان، وأن على الدعاة أن يزيدوا الخير في نفوس الناس، وأن يباشروا مخاطبة القلوب التي هي مفتاح الهداية، ونفوس البشر جميعاً فيها الخير وفيها الشر، ولكن بنسب متفاوتة، فإذا وفقنا الله لزيادة الخير في النفس البشرية، فمعنى هذا أننا قللنا نسبة الشر فيها، لأن تزكية النفوس هي المفتاح لتقويم السلوك ونفس وما سواها (7) فألهمها فجورها وتقواها (8) قد أفلح من زكاها (9) وقد خاب من دساها (10) (الشمس).

كما كانت له دروس وأحاديث ومحاضرات في جمعية الإصلاح الاجتماعي بالكويت، ومدرسة النجاة الخاصة فيها، لقيت القبول من شباب الصحوة الإسلامية.

كما كان لمؤلفاته الدعوية والحركية رواجها لدى الشباب المسلم في البلاد العربية والإسلامية وبخاصة في اليمن وبلدان الخليج وبلاد الشام وقد تُرجم بعضها إلى لغات أخرى.

ومن أهم مؤلفاته المطبوعة:

ـ الله جل جلاله.

ـ الرسول صلى الله عليه وسلم .

ـ الإسلام

ـ الأساس في التفسير

ـ الأساس في السنة وفقهها: السيرة ـ العقائد ـ العبادات.

تربيتنا الروحية

ـ المستخلص في تزكية الأنفس.

ـ مذكرات في منازل الصديقين والربَّانيين

ـ جند الله ثقافة وأخلاقاً

ـ من أجل خطوة إلى الأمام على طريق الجهاد المبارك

ـ المدخل إلى دعوة الإخوان المسلمين

ـ جولات في الفقهين الكبير والأكبر وأصولهما

ـ في آفاق التعاليم

ـ دروس في العمل الإسلامي المعاصر

ـ فصول في الإمرة والأمير

ـ رسالة منطلقات إسلامية لحضارة عالمية جديدة

ـ فلنتذكر في عصرنا ثلاثاً: فروض العين، فروض الكفاية، لمن تدفع صدقتك.

ـ عقد القرن الخامس عشر الهجري

ـ إحياء الربانية

ـ إجازة تخصص الدعاة

ـ غذاء العبودية

ـ أخلاقيات وسلوكيات تتأكد في القرن الخامس عشر الهجري

ـ قوانين البيت المسلم

ـ السيرة بلغة الحب

ـ الإجابات

ـ هذه تجربتي وهذه شهادتي

ـ جند الله تخطيطاً وتنظيماً إلخ.....

لقد كان الشيخ سعيد حوى قارئاً جيداً، حيث قال عن نفسه في كتابه "هذه تجربتي":

"... كان معدل قراءتي في الساعة ستين صفحة، وكان موجهي في الأسرة الإخوانية هو الأستاذ مصطفى الصيرفي، وتأكدت تلمذتي على يد الشيخ محمد الحامد في هذه المرحلة ثم أصبحت مسؤولاً عن الطلاب في مدينة حماة، وكان لي دور رئيسي في ثلاث مظاهرات طلابية، الأولى حين طالب الإخوان المسلمون في سورية بإدخال نظام الفتوة في المدارس الثانوية، والثانية احتجاجاً على إعدام الإخوان المسلمين في مصر، والثالثة في الذكرى المشؤومة لوعد بلفور، وكنت المتحدث الرسمي في هذه المظاهرات عن الإخوان المسلمين، وقد التحقت بكلية الشريعة بدمشق وحضرت خلال ذلك محاضرة الدكتور مصطفى السباعي المراقب العام للإخوان المسلمين بسورية في مدرج جامعة دمشق، فكانت محاضرة رائعة شعرت أثناءها وكأني منوّم مغناطيسياً.

كما حضرت حفل الاستقبال الذي أقيم للأستاذ حسن الهضيبي المرشد الثاني للإخوان المسلمين في جامع السلطان بمدينة حماة، وتكلم فيه الدكتور مصطفى السباعي والدكتور سعيد رمضان وختم الحفل بكلمة قصيرة للأستاذ الهضيبي) ـ انتهى ـ.

ولقد كان للشيخ سعيد حوى إسهامه في الحقل التعليمي، حيث مارس التدريس داخل سورية وخارجها، فقد عمل في المملكة العربية السعودية خمس سنوات، سنتين في مدينة (الهفوف) بمنطقة الأحساء وثلاث سنوات بالمدينة المنورة.

كما كانت له زيارات متعددة إلى كثير من البلاد العربية والإسلامية والأوروبية والأمريكيــة وقد زار باكستان أكثر من مرة، حيث قابل الإمام أبا الأعلى المودودي في الزيارة الأولى واستفاد من توجيهاته وإرشاداته في مجال الدعوة الإسلامية والعمل الجماعي.

وفي الزيارة الثانية لباكستان حضر تشييع جنازة المودودي، واجتمع بقادة الجماعة الإسلامية بباكستان، ثم ذهب إلى لاهور حيث التقى قادة المجاهدين الأفغان وحثَّهم على التعاون والعمل المشترك ونكران الذات وإخلاص النية لله تعالى وجعل الجهاد خالصاً لوجه الله وفي سبيله وألا يكون للنفس فيه حظ.

وفي أواخر شهر مايو سنة 1979م سافر إلى إيران ضمن وفد إسلامي، حيث التقى الخميني ووزير الخارجية آنذاك إبراهيم يزدي وكمال خرازي وقام بشرح حقيقة مايجري في سورية، وناشدهم حق الأخوة الإسلامية نحو إخوانهم المسلمين في سورية.

يقول الشيخ سعيد حوى في كتابه (هذه تجربتي) : "إن من ثمار الانقلاب العسكري الأمريكي بسورية بقيادة حسني الزعيم ـ والذي أعلنت المخابرات الأمريكية في أكثر من كتاب أنها وراءه ـ هو: تسليم مستعمرة (مشمار هايردن) لليهود.

ـ وتوقيع اتفاق مد خط أنابيب التابلاين كما أرادتها الشركة الأمريكية.

ـ وإلغاء مجلة الأحكام العدلية التي كانت القانون المدني الإسلامي لسورية" انتهى.

ومن سنة 1984م كثرت لقاءاتي بالشيخ سعيد حوى بحكم ترددي على الأردن، حيث يقيم، ومن خلالها ازددت به معرفة واشتركت معه، في تقييم كثير من الأحداث والوقائع، وكتابة بعض الدراسات والبرامج والمناهج، التي تحتاج إليها الحركة الإسلامية المعاصرة وكنا نتفق في الكثير من الأمور ونختلف في القليل منها ولايؤثر هذا على موقف أي منا نحو أخيه.

وحين أصدر كتابه (في آفاق التعاليم) أثنيت عليه وشكرته على هذا الجهد لأن شباب الدعوة الإسلامية في أمس الحاجة إلى فهم الأصول العشرين التي وردت برسالة التعاليم للإمام الشهيد حسن البنا والتي تناولها بالشرح كثير من الإخوان بمصر وغيرها وهي في حاجة إلى المزيد.

وقد قام الأخ مصطفى الطحان بإدراجها في سلسلة مطبوعات الاتحاد الإسلامي العالمي للمنظمات الطلابية، وتمت ترجمتها إلى بعض اللغات وراجت رواجاً كبيراً وطبعت عدة طبعات بالعربية وغيرها والحمد لله.

لقد كان الشيخ سعيد حوى يرى في ثبات الإخوان المسلمين بمصر هذه السنين الطويلة رهن السجون والمعتقلات وسط الزنازين وتحت سياط الجلادين، دون أن يتنازلوا قيد شعرة عن مبادئهم رغم طول السنين وقساوة التعذيب ومرارة الحرمان، يرى أنهم القدوة للدعاة في هذا العصر وللإخوان في العالم.

وهو في هذا يوافق ماقاله الدكتور مصطفى السباعي في كتابه (أخلاقنا الاجتماعية) حيث يقول: "إن في سجون مصر علماء يقطعون الأحجار، ويلبسون ثياب المجرمين، ويعاملون بالزراية والمهانة، لأنهم فهموا العلم، جهاداً ونصيحة وتعباً ومعاملة مع الله عز وجل، فإذا رأوا المنكر أنكروه، وإذا التقوا مع الجاهل نصحوه، وإذا ابتلوا بالظالم وقفوا في وجهه، ليردوه ويهدوه، وإذا كانوا مع مستغلِّي الشعب من أغنياء وزعماء ورجال أحزاب، واجهوهم بالحق الذي جعله الله أمانة في أعناق الذين أوتوا العلم، هذه هي جريمتهم التي زُجّوا من أجلها بالسجون، وقيَّدت أرجلهم بالحديد، وسيقوا إلى مقالع الأحجار كما يساق القتلة واللصوص والأشرار والمجرمون!

وياليتهم سلموا من ألسنة إخوانهم من علماء الدنيا، الذين سخَّرهم الطغيان ليخدعوا الناس باسم الدين، فإذا هم أداة تخدير للشعب، وزراية بالعلماء المصلحين وتمجيد للفسقة والمغتصبين.

هؤلاء العلماء المصلحون على قلتهم ومحنتهم والعداوات التي تحيط بهم، هم وحدهم الأمل المرتجى لنهضة الأمة وتحررها وانعتاقها." انتهى.

رحم الله أخانا سعيد حوى فكم صبر على الأمراض الكثيرة وعلى البلاء في السجون وعلى الألسنة الطويلة التي امتدت إليه بالإساءة، جعل الله ذلك كله في ميزان حسناته وغفر الله لنا وله وحشرنا وإياه مع الأنبياء والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا

 

التعليق 

أم عبد الرحمن ـ الكويت

سعيد حوى بين نزعته ومنهجه

 

تعقيباً على بعض ما ورد في ترجمة العالم الداعية الشيخ سعيد حوَّى ـ رحمه الله ـ والتي هي بقلم أستاذنا الفاضل المستشار عبدالله العقيل ـ حفظه الله ونفع به ـ ولا حرمنا الله من بركة كتاباته في سلسلة التراجم.. فقد ورد في تلك الترجمة في العدد 1289 هذه الفقرة: "لقد كان سعيد حوى طاقة هائلة، وحيوية متدفقة لا يكل ولا يمل، وله باع طويل في التأليف بحيث يفرغ من الكتاب خلال أيام يكون بعدها بأيدي القراء، وهو ذو نزعة صوفية، تغلبه بعض الأحيان، فيخرج عن المنهج العلمي الذي يُطالب به ويدعو إليه...".

واستدراكنا هنا حول القول بخروج الشيخ سعيد حوى عن المنهج العلمي الذي يطالب به ويدعو إليه بحكم غلبة نزعته الصوفية عليه بعض الأحيان، فنقول وبالله الكريم توفيقنا:

والله على كثرة ما قرأنا في كتب الشيخ سعيد حوى ما كنا نجد إلا تأكيداً منه على المنهج العلمي الذي يطالب به ويدعو إليه ونلمس ذلك في كتبه.

يقول الشيخ سعيد حوى ـ رحمه الله ـ في كتابه "تربيتنا الروحية" صلى الله عليه وسلم 15 من الطبعة الأولى 1339هـ ـ 1979م: "الصدر مفتوح لكل كلمة حق تقال، سواء قالها صوفي أو سلفي بلا حساسية من أحد، فلا يليق بطالب علم أن يكون إلا عاشقاً للحق، باحثاً عنه، إذا عثر عليه اعتنقه، أما ما سوى ذلك فشأن أهل الأهواء".

ويقول في صلى الله عليه وسلم 12 من الكتاب: "... فالطريق إلى الله لا يمكن أن يلغى بل يجب أن يوجد، ولكن ينبغي أن يحرر ويدقق وتحرر مسائله تحريراً دقيقاً، فليس الصوفية ولا غيرهم معصومين، والمعصوم هو الكتاب والسنة".

وقال في صلى الله عليه وسلم 13: "... فإن أصبنا في ذلك فلله الحمد، وإن أخطأنا فإننا نستغفر الله ونحن على استعداد إذا قامت الحجة على خطأ منا أن نتراجع عنه جهرةً، فإن الحق وحده هو الذي نحرص عليه ونحرص على التمسك به، وإن في قول الله عز وجل ونكتب ما قدموا وآثارهم لعظةً لنا ولغيرنا تحول دون مجانبة الحق خشيةً من الخلق".

بقي التنبيه إلى أن نزعة الشيخ الصوفية ـ رحمه الله ـ هي نزعة صوفية محررة سنية علمية فقهية، وهي نزعة الكثير من العلماء في عصرنا وقبل عصرنا، بل والكثير جداً جداً من أفراد عموم المسلمين، ولم يأت الشيخ ـ رحمه الله ـ هنا ببدع من الأمر، بل كان متحققاً بما حث عليه وبينه "على الإجمال" مجدد الإسلام في هذا القرن الأستاذ الشهيد حسن البنا رحمه الله حين قال: "...تستطيع أن تقول ولا حرج عليك أن "الإخوان المسلمين":

1 ـ دعوة سلفية: لأنهم يدعون إلى العودة بالإسلام إلى معينه الصافي من كتاب الله وسنة رسوله.

2 ـ وطريقة سُنِيَّة : لأنهم يحملون أنفسهم على العمل بالسنة المطهرة في كل شيء، وبخاصة في العقائد والعبادات ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً.

3 ـ وحقيقة صوفية: لأنهم يعملون على أن أساس الخير طهارة النفس، ونقاء القلب، والمواظبة على العمل، والإعراض عن الخلق، والحب في الله، والارتباط على الخير.

وجاء في الفتاوى الكبرى لابن تيمية جـ3 صلى الله عليه وسلم (205) الآتي بشأن الكلام عن أهل التصوف بشكل عام، فقال ـ رحمه الله ـ عند تقسيمه موقف العلماء منهم: "طائفة ذمتهم وقالوا مبتدعون خارجون عن السنة، وطائفة غلت فيهم وادعوا..." ثم يقول ـ رحمه الله ـ رأيه: "إنهم مجتهدون في طاعة الله كما اجتهد غيرهم من أهل الطاعات، ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده، وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين، ومنهم من يذنب فيتوب أو لا يتوب".

هذا ما أردت التنبيه إليه، فإن كنت قد وفقت لذلك فلربي الحمد والمنّة، وبه التوفيق والعصمة،وإلا فأسأل الله أن يوفق لذلك من يرضاه ممن يزيل اللبس والتشويش عن الكثير من علمائنا.