الشاهد للدراسات السياسية والاستراتيجية        

   
     

العفو الدولية 

رقم الوثيقة:  POL 10/03/00
"أزمات حقوق الإنسان ليست  على الإطلاق حتماً محتوماً: وإنما يمكن، بل يجب، منعها"
تقرير منظمة العفو الدولية يستعرض انتهاكات حقوق الإنسان في 144 بلداً

ذكرت منظمة العفو الدولية اليوم، وهي تصدر تقريرها السنوي لعام 2000، أن الكثير من أزمات حقوق الإنسان التي لازلنا نشهدها في شتى أنحاء العالم كان بالإمكان تجنبها لو أن المجتمع الدولي وضع حقوق الإنسان على رأس أولوياته.

وأضافت المنظمة العالمية المدافعة عن حقوق الإنسان قائلةً: "لم يكن أي من المآسي التي مُنيت بها حقوق الإنسان في السنوات الأخيرة مما يتعذر التنبؤ به أو الحيلولة دون وقوعه؛ فقد لاحت في الآفاق نذر الأزمات الفادحة التي ألمَّت ببوروندي، والشيشان، وتيمور الشرقية، وكوسوفو خلال عام 1999، وكانت هذه النذر بادية بوضوح وجلاء للعالم بأسره، وما كان على الحكومات إلا أن تتصدى لها وتتخذ إجراء بشأنها".

وطالبت المنظمة المجتمع الدولي بتخصيص المزيد من الموارد لمنع مثل هذه الأزمات متساءلةً: "إن الحكومات تزعم أن الدافع وراء التدخل المسلح في أزمات حقوق الإنسان هو السعي لإقرار العدالة؛ ولو كان الأمر كما تقول، فكيف تسمح للأوضاع بالتدهور والتدني إلى مثل هذا الحد من الظلم والتجني الذي يستعصي على الوصف؟"

وقالت منظمة العفو الدولية: "إن العمل الوقائي يستوجب من الحكومات التنديد بانتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها حلفاؤها وأعداؤها على السواء؛ كما يقتضي منها أن تضمن ألا تؤدي العقوبات الاقتصادية إلى إهدار الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، مثلما هو الحال في العراق، حيث لا تحظى حقوق الأطفال المحرومين من الغذاء والدواء الأساسي بأي أهمية، فيما يبدو، ولا يُقام لها أي وزن في جدول أعمال  المجتمع الدولي".

وأضافت المنظمة قائلة: "لن يتأتى منع نشوب أزمات حقوق الإنسان في المستقبل  إلا عن طريق الالتزام الجماعي الجاد بحماية حقوق البشر جميعاً، يوماً بعد يوم، أينما كانوا وأياً كانوا".

غير أن الصورة التي تنبثق عن التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية الذي يتناول أحداث عام 1999 هي صورة عالم لا تقتصر فيه انتهاكات حقوق الإنسان على مناطق الأزمات، وإنما تُرتكب بصفة يومية على أيدي المسؤولين الحكوميين، وجماعات المعارضة المسلحة، والجماعات شبه العسكرية في ما لا يقل عن 144 بلداً.

ويوثق التقرير ما رصدته منظمة العفو الدولية من حالات الإعدام خارج نطاق القضاء في 38 بلداً؛ وحالات الإعدام بموجب أحكام قضائية في 31 بلداً؛ وحالات سجناء الرأي فيما لا يقل عن 61 بلداً؛ وحالات التعذيب وسوء المعاملة في 132 بلداً، وحالات "الاختفاء" في 37 بلداً. غير أن المنظمة تعتقد أن الأرقام الحقيقية لجميع هذه الانتهاكات أعلى من الأرقام المذكورة بكثير.

وتقول منظمة العفو الدولية: "في الوقت الذي تواصل فيه بلدان شتى، مثل الولايات المتحدة والصين والسعودية وكولومبيا وتركيا وروسيا، تجاهل حقوق الإنسان وانتهاكها، تتعامى الحكومات الأخرى والمجتمع الدولي عن محنة الضحايا".

وفي مختلف أرجاء العالم، يسعى الآلاف من الضحايا الذين كابدوا التعذيب، واعتُقلوا ظلماً وتعسفاً، وحرموا من حقوقهم الأساسية، لإنصافهم وتعويضهم عما حاق بهم؛ وهو مسعى يشاركهم فيه أقارب ضحايا "الاختفاء" والإعدام خارج نطاق القضاء.

غير أن نداءاتهم ومساعيهم لا يُلتفت إليها، ولا تلقى آذاناً صاغية في الأغلب والأعم؛ ورغم الشيء القليل من التقدم الذي أحرزه النضال من أجل تقديم الجناة إلى ساحة القضاء ـ وبالأخص المساعي التي بُذلت خلال عام 1999 لتقديم أوغسطو بينوشيه للمحاكمة في أوروبا ـ فلا تزال ظاهرة الإفلات من العقاب متفشية على نطاق واسع، ولا يزال مرتكبو انتهاكات حقوق الإنسان في الماضي والحاضر في نجوة من المساءلة والعقاب.

أضواء على مناطق العالم

إفريقيا
ما برحت القارة الإفريقية تعاني من ويلات الصراع المسلح الذي ظل مستعراً خلال عام 1999؛ وشهد العالم جانباً من أبشع الفظائع عندما دخلت القوات المناوئة للحكومة في سيراليون العاصمة فريتاون؛ إذ أُزهقت أرواح المدنيين، وتعرض البعض لقطع أذرعهم وأرجلهم، وشاعت حوادث الاختطاف. واستمرت هذه الانتهاكات بلا هوادة بالرغم من اتفاقية السلام التي أُبرمت في يوليو/تموز 1999 بين الحكومة والمعارضة المسلحة. كما قضت اتفاقية السلام بمنح عفو شامل عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية. وعمدت القوات الحكومية وقوات المعارضة المسلحة على السواء إلى قتل الآلاف من المدنيين في بوروندي، والكونغو، وجمهورية الكونغو الديمقراطية. وفي بوروندي، تفاقمت الأوضاع حتى بلغت حد الأزمة مع تزايد حوادث "الاختفاء"، واستمرار اعتقال الآلاف من الأشخاص دون توجيه أي تهمة إليهم أو محاكمتهم، حيث رزح الكثيرون منهم تحت ظروف بالغة القسوة.

 وخلفت الصراعات المسلحة ما خلفته من الخسائر والدمار بينما شارك آلاف الأطفال ممن دون الثامنة عشرة في القتال الدائر في سيراليون وبوروندي وغينيا بيساو والصومال وأنغولا والسودان، وذلك بعد تجنيد الكثيرين منهم قسراً في صفوف القوات المسلحة. ونزح الآلاف من الناس إلى البلدان المجاورة فراراً من القتال الدائر في سيراليون وجمهورية الكونغو الديمقراطية والكونغو والسودان، بينما أُجبر آلاف آخرون على النزوح عن ديارهم في إثيوبيا وبوروندي. وفي توغو، اعتُقل المدافعون عن حقوق الإنسان للاشتباه في تسريبهم معلومات إلى منظمة العفو الدولية بعد أن نشرت المنظمة تقريراً يتناول بالتفصيل عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء في هذا البلد.

الأمريكيتان
بالرغم مما بُذل من جهود، على الصعيدين الوطني والدولي، للتصدي لتركة انتهاكات حقوق الإنسان التي خلفها الماضي، فلا تزال ظاهرة الإفلات من العقاب متفشية في بلدان القارتين الأمريكيتين، ولا يزال مرتكبو الانتهاكات الماضية والحالية بمأمن من أي مساءلة أو جزاء.

وكثيراً كانت معدلات التحقيق والعقاب الذي يناله مرتكبو العديد من الانتهاكات دون المستوى المقبول بمراحل؛ ومن بينها الأساليب الوحشية التي تمارسها الشرطة (والتي وردت أنباؤها من البرازيل وإكوادور والسلفادور وهايتي وجامايكا ونيكاراغوا والولايات المتحدة وفنزويلا)، وتعذيب السجناء والمعتقلين وإساءة معاملتهم (بليز وبوليفيا والبرازيل وإكوادور والسلفادور ونيكارغوا وباراغواي وبيرو)، ومضايقة المدافعين عن حقوق الإنسان (بوليفيا وشيلي وكولومبيا والمكسيك). وبينما يتجرع السكان في كولومبيا أفظع انتهاكات حقوق الإنسان على أيدي القوات المسلحة، والجماعات شبه العسكرية التي تقترف ما تقترفه من أفعال بتأييد هذه القوات أو رضاها، وجماعات المعارضة المسلحة، لا يزال المسؤولون عن هذه الانتهاكات ينعمون بحريتهم وكأنهم في حرز من أي عقاب.

وفي انتهاك سافر للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، استمرت الولايات المتحدة في تنفيذ أحكام الإعدام في أشخاص أدينوا بجرائم ارتكبوها وهم دون الثامنة عشرة من العمر؛ كما استمرت في حرمان المواطنين الأجانب المتهمين بجرائم يُعاقب عليها بالإعدام من حقهم في طلب المساعدة من قنصليات بلدانهم. وبلغ العدد الإجمالي لمن أعدموا خلال عام 1999 في الولايات المتحدة 98 شخصاً.

آسيا
أودت الصراعات المسلحة والعرقية بأرواح الآلاف من المدنيين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وسهَّلت وقوع انتهاكات أخرى لحقوق الإنسان، مثل التعذيب و"الاختفاء" والاعتقال التعسفي.

فبالرغم من حملة التخويف المنظمة التي قامت بها الميليشيات الموالية للحكومة الإندونيسية، التي يساندها الجيش الإندونيسي، صوتت الأغلبية الساحقة من سكان إقليم تيمور لصالح الاستقلال عن إندونيسيا في أغسطس/آب؛ وقُتل المئات من الأشخاص، فيما أُجبر عشرات الآلاف على الفرار من الهجمات العنيفة.

وشهد عام 1999 أخطر وأشرس حملة من البطش والقمع تتعرض لها المعارضة السلمية والحرية الدينية في الصين منذ عقد كامل؛ إذ اعتقلت الشرطة الآلاف من الأشخاص على نحو تعسفي، وأصدر القضاء ضد بعضهم أحكاماً طويلة بالسجن إثر محاكمات جائرة، أو أودعوا في معسكرات لأعمال السخرة. واستمر الاستخدام المنظم لأساليب التعذيب وصنوف المعاملة السيئة. وبلغ عدد حالات الإعدام التي تم رصدها في الصين خلال التسعينيات نحو 18000 حالة؛ والأرجح أن هذا الرقم يقل كثيراً عن الرقم الحقيقي.

وفي باكستان، استمرت الحكومة في إظهار تحيز ضد المرأة بتقاعسها عن التحقيق في الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك "جرائم القتل حفاظاً على الشرف" التي راح ضحيةً لها بضع مئات من الفتيات والنساء، والاتجار في النساء.

أوروبا
في الوقت الذي تمخضت فيه الحرب عن فظائع وانتهاكات بشعة لحقوق الإنسان في الشيشان، وسعى المجتمع الدولي جهده لإرساء سلام دائم في كوسوفو، ظل التعذيب وسوء المعاملة على أيدي الشرطة ـ الذي يرجع لدوافع عنصرية في كثير من الأحيان ـ أكثر انتهاكات حقوق الإنسان شيوعاً في سائر أنحاء القارة الأوروبية.

وأظهر الهجوم العسكري الروسي في الشيشان، وحملة التخويف المكثفة ضد المواطنين الشيشان في موسكو وغيرها، استخفافاً سافراً بالقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني. وفي كوسوفو، بلغت الانتهاكات المرتكبة ضد السكان ذوي الأصل الألباني ذروتها أثناء حملة القصف الجوي التي شنها حلف شمال الأطلسي في يونيو/حزيران. واستمرت انتهاكات حقوق الإنسان ضد السكان الصرب، وأبناء طائفة "روما" (الغجر)، وغيرها من الأقليات، حتى بعد إنشاء قوة كبيرة لحفظ السلام وإدارة مدنية تقودها الأمم المتحدة في الإقليم.

وتعرض اللاجئون وطالبو اللجوء لانتهاكات حقوق الإنسان؛ ففي سويسرا وبلجيكا، أجريت تحقيقات بشأن أساليب التقييد القاسية والخطيرة، بما في ذلك سد المسالك الهوائية عمداً لكتم الأنفاس، وذلك في أعقاب وفاة بعض الضحايا خنقاً أثناء ترحيلهم قسراً. ووقع أبناء طائفة "روما" (الغجر) هم الآخرون ضحايا للاضطهاد والتحيز ضدهم، حيث رُصدت المشكلات الناجمة عن ذلك على وجه الخصوص في كل من بلغاريا، واليونان، والمجر، ورومانيا، وسلوفاكيا، وكوسوفو.

ومن بين التطورات الإيجابية التي شهدها العام المنصرم في أوروبا تصديق كل من آذربيجان، وبلغاريا، وقبرص، وجورجيا، وسلوفاكيا، وتركمنستان، والمملكة المتحدة على البروتوكول الاختياري الثاني الملحق "بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، وهو البروتوكول الذي ينص على إلغاء عقوبة الإعدام.

الشرق الأوسط
شهد عام 1999 تفشي الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان في كثير من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بما في ذلك عمليات الإعدام الواسعة النطاق، واستخدام التعذيب بصفة معتادة، والمحاكمات الجائرة.

ففي السعودية، استمرت صنوف المعاملة اللاإنسانية أو المهينة؛ وسجّلت منظمة العفو الدولية على مدار العام 103 حالات إعدام؛ وإن كان من المرجح أن العدد الحقيقي يفوق ذلك. وكانت الإجراءات القضائية الجنائية دون ما تقتضيه المعايير الدولية بمراحل، وظلت الحرية السياسية والدينية مكبلة بالقيود في السعودية. واعتُقل عدد من الأشخاص خلال العام لأسباب سياسية ودينية، وظل بعضهم رهن الاعتقال فترات طويلة دون توجيه أي تهمة لهم أو تقديمهم للمحاكمة، ودون السماح لهم بالاتصال بذويهم أو محاميهم.

والتزم المجتمع الدولي الصمت المطبق إزاء هذه الانتهاكات، وإزاء السرية التي تكتنف وضع حقوق الإنسان في السعودية.

وفي إسرائيل، ظل معظم أفراد قوات الأمن بمأمن من المساءلة والعقاب على ما ارتكبوه من انتهاكات حقوق الإنسان؛ وظل التعذيب أمراً يُسمح به رسمياً ويُمارس بصورة معتادة ومنظمة، إلى أن قضت محكمة العدل العليا، في سبتمبر/أيلول، بعدم مشروعية الأساليب المستخدمة في التحقيق؛ ورغم ذلك، فقد استمر ورود الأنباء التي تفيد بتعرض الفلسطينيين للضرب وغيره من صنوف المعاملة السيئة عند نقاط التفتيش. وعمدت السلطات الإسرائيلية إلى هدم ما لا يقل عن 39 منزلاً فلسطينياً في المناطق الخاضعة لسيطرة إسرائيل في الضفة الغربية؛ وكانت سياسة هدم المنازل تنطوي على تمييز ضد الفلسطينيين، وبدا أن الهدف منها هو وقف عمليات بناء الفلسطينيين للمنازل في أنحاء الضفة الغربية الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية. ووردت أنباء التعذيب، والاعتقال التعسفي، والوفيات في الحجز، والإعدام خارج نطاق القضاء من مختلف بلدان الشرق الأوسط. واعتُقل العشرات من السجناء السياسيين، ومن المحتمل أن يكون بعضهم من سجناء الرأي، وذلك بالرغم من إطلاق سراح آخرين بعد أن لبثوا أمداً طويلاً رهن الاعتقال دون تهمة أو محاكمة.

وظل التعذيب وسوء المعاملة يمارسان بصورة منظمة في مصر، مما أسفر عن وفاة بعض المعتقلين. كما استمر إصدار وتنفيذ أحكام الإعدام على نطاق واسع في العديد من البلدان، بما في ذلك العراق وإيران وليبيا واليمن. وفي إيران، اعتُقل المئات من ا لأشخاص في أعقاب المظاهرات الطلابية التي قامت في يوليو/تموز احتجاجاً على فرض المزيد من القيود على حرية التعبير، واعتقال الصحفيين، وإغلاق الصحف. وفي تونس، استهدف المدافعون عن حقوق الإنسان وأقاربهم للمضايقات والاعتداء بصورة متزايدة، وفرض المزيد من القيود على حرية التعبير. وظلت ظاهرة إفلات منتهكي حقوق الإنسان من العقاب من أهم بواعث القلق في العديد من البلدان. ففي الجزائر سُمح لأعداد متزايدة من أعضاء الجماعات المسلحة، فضلاً عن قوات الأمن، بالإفلات من العقاب. وفي كل من الجزائر ولبنان والمغرب، لم تتمخض وعود الحكومة بكشف الغموض الذي يكتنف الآلاف من حالات "الاختفاء" عن أي نتائج ملموسة.