الشاهد للدراسات السياسية والاستراتيجية        

   
     

 

مذكرة حول أوضاع حقوق الإنسان في سورية

واليوم العالمي للتضامن مع سجناء الرأي فيها


سورية (1963 - 1998)

35 عاماً من غياب الحريات الإنسانية والأساسية

 

تعتبر سورية التي يبلغ عدد سكانها حالياً نحو 14 مليون نسمة إحدى الدول المحورية في منطقة المشرق العربي، وعلى مدى قرون اتصف المجتمع السوري بالفاعلية الفكرية والسياسية، ونمت في إطاره معطيات حضارية عريقة كان لها أثرها في منطقة شهدت ولادة عدة حضارات إنسانية، كما اتسمت بالتعايش السلمي والبناء بين أبنائها من مختلف الإثنيات والأعراق.

وإذا كان الشعب السوري قد خاض نضالات عسيرة على مدى أكثر من عقدين من أجل نيل استقلاله عن المستعمِر الفرنسي حتى حازه في نيسان/ أبريل 1946 فإن السنوات التي تلت تلك الحقبة كانت مليئة بالآلام، وزاخرة بالمعاناة بعد أن انتهت الدولة السورية إلى دائرة مغلقة من الأنظمة والقوانين الشمولية اختفت فيها الحريات العامة، وانداحت في إطارها الحقوق الأساسية وغابت عن منهجها التعددية الفكرية والسياسية، وفقد المجتمع هياكله المدنية، وخيمت في مقابل ذلك شوائب القمع والتحكم والاستبداد.

ويعتبر تاريخ الثامن من آذار/ مارس 1963 منعطفاً حيوياً في مسار الشعب السوري، فقد شهد ذلك التاريخ انقضاض "حزب البعث العربي الاشتراكي" على مقاليد السلطة في انقلاب عسكري، حيث أعلنت حالة الطوارئ قبل 35 عاماً ولا يزال العمل سارياً بها إلى الآن، وفرضت الأحكام العرفية، ومنحت المحاكم العسكرية والأمنية سلطات واسعة على حساب القضاء المدني، وتم حلّ الأحزاب السياسية، وألغيت حرية الصحافة، وفرضت هيمنة الحزب الحاكم على المؤسسات المدنية بما في ذلك النقابات المهنية والجامعات والجمعيات الأهلية.

وفي تشرين ثاني/ نوفمبر المقبل يكون الرئيس حافظ الأسد قد أمضى 28 عاماً في سدة الحكم منذ أن وصل إليه عام 1970 بعد أن أطاح برفاقه من الجناح اليميني في الحزب فيما يُدعى بـ "الحركة التصحيحية"، ولم يسبق للأسد أن سمح لأي سياسي آخر بخوض منافسة جدية أمامه في انتخابات الرئاسة التي تجري بصورة شكلية وتكون نتيجتها 99‚99%، والتي توقفت منذ أن أعلن عام 1991 رئيساً "إلى الأبد"، كما شهدت السنوات الثماني والعشرون الماضية ميلاً أكبر نحو سيطرة الحزب الواحد على مقاليد الدولة، ومُنحت المؤسسة العسكرية والأمنية التي تضم نحو 13 جهازاً استخبارياً وأمنياً مختلفاً نفوذاً واسعاً في الحياة العامة، ولا يسمح لأي صحيفة مستقلة بالصدور في ظل السيطرة المطلقة على وسائل الإعلام كافة.

وتعتبر المعارضة السياسية في سورية من الأمور المحرمة، وقد زجّ نظام الرئيس الأسد بسياسيين بارزين ومعارضين من مختلف الانتماءات في السجون لفترات وصلت إلى 25 عاماً، ولم يشفع لهؤلاء، ومن بينهم قادة سابقون في حزب البعث كانوا معارضين لتوجه الأسد، اعتزالهم العمل السياسي أو اعتلال صحتهم، حيث توفي بعضهم وهم رهن الاعتقال فيما أفرج عن آخرين قبل أيام من وفاتهم.

وتفتقر سورية إلى الحياة البرلمانية الفاعلة التي عُرفت بها بُعيد الاستقلال، إذ أن أعضاء البرلمان (مجلس الشعب) هم من مؤيدي حكم الرئيس الاسد، وغالبيتهم أعضاء في حزب البعث الحاكم، ونسبة ضئيلة منهم تنتمي إلى تجمعات يسارية صغيرة مؤيدة للحكم، ولا يسمح للبرلمان بمناقشة مسائل تتصل بالشؤون الخارجية أو الدفاعية أو الأمنية، كما لا يسمح له بالتدخل في التعيينات الحكومية أو الوزارية، ومعظم النواب اختيروا ليس بناء على برامج انتخابية محددة ولكن بناء على مدى قربهم من قادة الحكم وحزب البعث.

وفي ظل غياب نهج متفتح في الحياة السياسية فقد وقعت سورية في ظل شبكة معقدة من النظم البيروقراطية ما أدى إلى نشوء حالات مستوطِنة من الفساد الإداري والمالي والاقتصادي وظهرت طبقة من الأثرياء المقربين من الحكم، فيما يعاني عموم المجتمع من حالة عُسر معيشية وسط ركود اقتصادي فرضه افتقار الدولة إلى القدرة على التغيير وتحسّس معاناة المواطنين.

وتعتبر سورية إحدى أبرز الدول التي تعاني من هجرة الكفاءات والأدمغة، ومعظم هؤلاء من فئة المغتربين القسريين، وتساهم السياسات التي تتبعها الحكومة في دفع آلاف الشبان السوريين وغالبيتهم من حملة الشهادات العلمية للهجرة إلى الخارج سواء بحثاً عن فرص أفضل، أو خشية التعرض للمساءلة من قبل الأجهزة الأمنية التي يهيمن عليها أفراد يتسمون بالعنف والقسوة.

ونتيجة خوفها من تنامي المعارضة السلمية في صفوف الجمهور تقوم الحكومية السورية بفرض رقابة صارمة على وسائل الاتصال والمطبوعات وتمنع غالبية الصحف التي تصدر خارج البلاد من الدخول، ولا يسمح للمواطنين بالوصول إلى شبكات المعلومات الدولية خاصة شبكة "إنترنت"، ويحظر على الكتاب والصحفيين التطرق إلى مسائل ذات صلة بالأمن الداخلي أو سياسات الحكومة، وأدى ذلك إلى ترك المجتمع السوري يعيش قطيعة ثقافية وعلمية مع العالم الخارجي، وتشير التقارير التي تصدرها الهيئات التابعة للأمم المتحدة إلى تزايد حالات التسرب من المدارس، وتراجع المستويات التعليمية في الفئات المتوسطة والمحدودة الدخل، وارتفاع معدلات البطالة، وتفشي ظواهر العنف الاجتماعي، وهي دلائل واضحة على عقم السياسات المتبعة.

وفي سياق تغوّل الدولة وهيمنتها على المجتمع المدني، فإن سورية بعد 35 عاماً من حكم "البعث" تحوّلت إلى دولة لا وجود فيها للمؤسسات الأهلية والمدنية، فالعمل النقابي مُغيّب بسبب سيطرة الحزب الحاكم المطلقة على النقابات المهنية، والجامعات لا تمارس دورها في البحث العلمي والتربوي في ظل غياب الكوادر المؤهلة لذلك، ومنذ عام 1980 قامت الحكومة بحلّ الهيئات الخيرية، وعملت من أجل السيطرة على الدوائر الوقفيّة والتحكم بأملاكها، ومنعت الأنشطة الاجتماعية والفكرية والخيرية التي ليست لها صلة واضحة بالأجهزة الحكومية.

وإذا كانت تلك ملامح الحياة العامة في سورية، وهي مؤشرات تعكس واقعاً قاتماً، فإن أبرز ما ميّز عهد الرئيس الأسد هو استخدامه القبضة الحديدية في قمع معارضيه السياسيين، واللجوء للقوة المسلحة في مواجهة أعمال الاحتجاج الشعبية، وتتمثل أولى تلك المحاولات في عمليات الاغتيال والتصفية التي تعرض لها خصوم بارزون لنظام الحكم، مثل محمد عمران وهو قيادي في حزب البعث من مؤيدي صلاح جديد اغتيل في آذار/ مارس 1972، وصلاح الدين البيطار وهو من مؤسسي حزب البعث وقد اغتيل في باريس في تموز/ يوليو 1980.

وخلال سنيْ حكمه وضع الرئيس الأسد خصومه ومعارضيه في سجون خاصة أنشئت في مختلف المدن السورية، ومن بين هؤلاء مواطنون من جنسيات عربية، ولم يسمح لهؤلاء مجرد الالتقاء بأسرهم، أو الحصول على رسائل منهم، بل إن غالبيتهم لم تكن عائلاتهم على دراية فيما إذا كانوا على قيد الحياة طوال فترة اعتقالهم التي زادت عن 20 عاماً بالنسبة لعدد منهم، ويقدر عدد المعتقلين السياسيين في السجون السورية في الوقت الراهن بنحو 12 ألف سجين، كما أن هناك 15 ألف مفقود لا يُعرف مصيرهم، وغالبية هؤلاء اختفت آثارهم منذ أحداث العنف التي وقعت في مدينة حماة (وسط سورية) في عام 1982.

ويُنظر للقمع العسكري والأمني على أنه من الدلائل البارزة لنظام حكم الرئيس الأسد، وقد شهدت فترة الاضطرابات التي وقعت في سورية بين عامي 1979 - 1982 سلسلة من المجازر الدموية قامت بها وحدات عسكرية وفرق مظلية تتلقى عادة تدريبات خاصة واستثنائية بهدف حماية نظام الحكم من محاولات الانقلاب المحتملة.

ومن أبرز تلك المجازر، حملة القمع الواسعة التي تعرضت لها مدينة حماة في شباط/ فبراير 1982 والتي قتل فيها ما يربو على 20 ألفاً من المدنيين، وقد قاد الحملة شقيق الرئيس العقيد رفعت الأسد الذي كان يرأس في حينه وحدات "سرايا الدفاع" (حُلّت عام 1984 إثر محاولتها السيطرة على الحكم أثناء مرض حاد ألمّ بالرئيس الأسد).

وقد أسفرت العملية التي شاركت فيها الطائرات والمدفعية والدبابات عن تدمير ثلثي المدينة، وإبادة أحياء بكاملها، وتهجير نحو 100 ألف من السكان من أصل 300 ألف نسمة، واعتقال 15 ألف مواطن معظمهم من الشبان اعتبروا منذ ذلك الوقت في عداد المفقودين نظراً لعدم وجود دلائل على آثارهم، ويُعتقد أن عدداً كبيراً قتلوا ودفنوا في مقابر جماعية بالقرب من سجن تدمر في الصحراء السورية.