إن
قلت إن في العولمة شرا كثيرا
فأنت محق لا ريب, وإن قلت إن
فيها خيرا كثيرا فأنت أيضا محق,
لأنها مسكونة بهذا وذاك.
لكننا سنختلف حتما إذا سرت في
موكب الهاتفين باسم القرية
الواحدة التي أصبح يشبه بها
عالم هذا الزمان, لأن في
القرية ـ لايزال ـ سادة وعبيدا,
ونحن لسنا من السادة يقينا! ـ
بهذا قدمت لمحاضرتي في الجامعة
الإسلامية العالمية في إسلام
أباد, التي كان موضوعها
المسلمون وثورة الاتصالات في
عصر العولمة وهو ما أشرت إليه من
قبل, ووعدت بأن أرجع إليه
بشيء من التفصيل, ظنا مني أن
فيه ما قد يهم القراء.
(1)
لايحسبن أحد أن ما قلته هو أهم
كلام في المؤتمر, فذلك شرف لا
أدعيه, لأن موضوع العالم
الإسلامي والعولمة, الذي كان
محور مناقشات الموسم الثقافي,
بحث من زوايا عدة, وتحدث فيها
بأهم مما قلت أساتذة كبار من
أمثال الدكاترة: محمد عمارة
ومحمود زقزوق والطيب زين
العابدين ورجاء جبر وأحمد درويش,
غير عدد وفير من العلماء وأهل
الاختصاص الباكستانيين.
وتناول هؤلاء موضوعات موقف
الإسلام من العولمة,
والعولمة وصدام الحضارات, ثم
العولمة وثورة المعلومات,
والابداع الفكري. وكنت أحد
المشاركين في جلسة مناقشة
المحور الأخير, وإذ لاحظت أن
ما قيل بحق العولمة كان قريبا
مما قاله مالك في الخمر,
فإنني حاولت أن أوازن الموقف
بالاطلال علي المشهد من زاويته
الإيجابية ونصفه الملآن.
انعقد الاتفاق بين الأغلبية علي
مجموعة من التعريفات أسهمت إلي
حد كبير في تحرير العنوان الذي
تحته وقف الجميع, من ذلك مثلا
أن ثمة تفرقة بين العالمية
والعولمة, فالأولي تفتح
الثقافات المختلفة علي العالم
مع الاحتفاظ بالخلاف
الأيديولوجي, بينما الثانية
ـ العولمة ـ تعبر عن نفي الآخر
وإحلال الاختراق الغزو!
الثقافي محل الصراع
الأيديولوجي, بكلام آخر فإن
العالمية تعتمد وتحترم تعدد
الثقافات, ولكن العولمة تضيق
بالتعدد, وتنطلق من الانحياز
إلي فكرة الثقافة الواحدة.
من ذلك أيضا أن العولمة مفهوم
اقتصادي بالدرجة الأولي, وهي
في جوهرها تمثل انصهار العدد
الهائل من الاقتصاديات القروية
والإقليمية والوطنية, في
اقتصاد عالمي شمولي واحد, لا
مكان فيه للخاملين, بل يقول
أولئك الذين يقدرون علي مواجهة
عواصف المواجهة الهوجاء ـ
والتعريف للاقتصادي الألماني
ادوارد لوتوك.
من ذلك أيضا أن العولمة تصاغ
الآن في الممارسة العملية
بحسبانها مرادفا للأمركة,
وهو ما يختزله البعض في مصطلح
كوكلة العالم, أي فرض النمط
الاستهلاكي الأمريكي الذي يعد
مشروب الكوكاكولا رمزا له علي
العالم, وهو ما أشرت إليه في
مقال سابق بهذا المكان للعلم:
الأمريكيون مارسوا ضغوطا هائلة
لادخال الكوكاكولا إلي فرنسا
والصين وروسيا ـ وقد استخدم بعض
المبشرين للعولمة والمتحمسين
لها مصطلح الأمركة كمقابل لها,
ومنهم توماس فريدمان في كتابه
الذي ذاع أمره حين ترجم إلي
العربية أخيرا, تحت عنوان
السيارة ليكساس وشجرة الزيتون.
لفت أنظارنا في هذا الصدد
الدكتور أحمد درويش الأستاذ
بكلية دار العلوم إلي دقة
الترجمة لمصطلح
Globalisation
العربية, وكيف أن كلمة
العولمة جاءت تعبيرا عن مكنون
ذلك المصطلح, لأن اختيار
صيغة فوعل جاءت غاية في التوفيق,
باعتبارها دالة علي التشكيل
المفروض من خارج المادة, وهو
ما يحمل معني الفوقية وأحادية
الاتجاه, بخلاف صيغة تفاعل
التي توحي بالحوارية وثنائية
الاتجاه.
وهو يعلق علي هذه النقطة ذكر
الدكتور درويش أن أهل اللغة في
تعريب مصطلح العولمة انتبهوا
إلي ما لم ينتبه إليه أقرانهم
منذ ثلاثة قرون, حينما
فاجأتهم البذرة الأولي لظاهرة
العولمة, ممثلة في
الامبريالية الأوروبية,
فاستخدموا في التعبير عنها
مصطلح الاستعمار, الذي لم
يكن دقيقا لأن الكلمة مسكونة
بمفهوم عمارة الأرض وإصلاحها,
وهو نقيض ما سعي إليه
الامبرياليون الأوروبيون,
وان شاع مصطلح الاستعمار بعد
ذلك واستقر بصورته المعيبة في
قاموس الخطاب العربي.
(2)
احتاج مصطلح القرية الواحدة إلي
وقفة أطول في تحريره, ربما
لأنه شاع علي ألسنة كثيرين من
المثقفين, حتي أصبح الجميع
يتعاملون معه ببراءة شديدة,
وكأنه صار حقيقة واقعة في ظل
العولمة. وقد شجعني علي تلك
الوقفة أن حكاية القرية الواحدة
كانت مدخلا لحديثي عن ثورة
المعلومات والاتصالات.
صحيح أن ثورة الاتصالات جعلت
العالم صغيرا بحيث أصبح بمقدور
الإنسان أن يطوف بأرجائه
المختلفة بمجرد الضغط علي بعض
الأزرار, وهو مسترخ في مقعده
أو مستلق علي فراشه, لكن ليس
صحيحا أن العالم أصبح قرية
كونية واحدة, تتساوي فيها
الرءوس أو حتي تتقارب, فتلك
القرية الكونية التي صك اسمها
المفكر الكندي مارشال ماكلوهان
وجدت بالفعل, ولكن علي شكل
آخر يختلف عما تصوره ماكلوهان..
ففيها الكبار والصغار والسادة
والعبيد والمرسلون والمستقبلون.
في هذا الصدد, لاحظ مؤلف كتاب
فخ العولمة ـ الألمانيان هانس
بيتر مارتيني وهارالد شومان ـ
أن العالم لاينمو نموا يفرز
التلاحم والالتئام, حقا تابع
مليار إنسان في العالم مباراة
بطولة الملاكمة, التي أجريت
بين اكسل شولتز ومايكل مورو في
ملعب مدينة دورث مورت الأمريكية,
كما تابع ثلاثة مليارات ونصف
المليار تابعوا عبر شاشات
التليفزيون افتتاح الدورة
الأوليمبية في مدينة اتلانتا
باعتبارها أهم حدث رياضي في
القرن. غير أن الملاكمة
والمسابقات الرياضية لاتخلق..
وأن نقلتها كل تليفزيونات
المعمورة, تبادلا ثقافيا ولا
تفاهما دوليا, واذا كانت
وسائل الاتصالات قد عجزت عن ذلك,
فستكون أشد عجزا عن تقريب
المستويات المعيشية بين أبناء
القرية المفترضة.
بسبب من ذلك, فإن الترويج
لمقولة القرية الصغيرة بعد نوعا
من الافراط في التجريد, لأن
العالم صغر حقا, ولكن زمام
الأمور فيه لايزال بيد الأقوياء
والأثرياء السادة, الذين
يملكون القدرة والثروة,
وبهما يبسطون نفوذهم علي
الآخرين من الأتباع والعبيد,
الذين هم ـ بالتحديد ـ شعوب
العالم الثالث. في إطار تلك
القرية الصغيرة فإن شعوب العالم
الثالث لاتتبادل شيئا مع
الأثرياء والأقوياء من سكانها,
ولكنهم بالكاد يتلقون منهم
وينصاعون لهم, وهو أمر لا
يبهجنا كثيرا, ولا أري مبررا
للحفاوة به أو التغني بإطلاله
علينا.
(3)
في ثورة المعلومات والاتصالات,
انتقلت المعلومة من الورق إلي
الالكترون, الأمر الذي فتح
الباب علي مصراعيه أمامها لكي
تصل إلي الكافة, واذا كانت
النخبة في السابق هي التي تتلقي
المعارف فتهضمها وتستوعبها,
ثم تنقلها إلي الناس, فإن
الأمر اختلف الآن تماما, حيث
أصبحت المعلومات متاحة للكافة
مباشرة دون المرور بجسر النخبة
أو مصفاتها ومختبراتها, ولأن
القواعد العريضة أصبحت هي
المتلقي المباشر للمعلومات,
فإن الذين يبثونها أصبحوا
حريصين علي تبسيطها لتسهيل
استقبالها, الأمر الذي فتح
الباب أمام الترويج للثقافة
الشعبية الرخيصة, التي لا
تحتاج إلي جهد في التفكير أو
الاستيعاب. من ثم فقد أصبحت
السوق حافلة بالمعلومات
الوفيرة والضحلة في ذات الوقت,
جنبا إلي جنب مع المعلومات
الجادة والرصينة.
نتيجة لتلك الثورة فإن
المعلومات لم تعد تصل إلي
الكافة متجاوزة النخب فحسب,
ولكنها قبل ذلك أصبحت تتجاوز
الحدود والقيود, بل وتتجاوز
جميع البني والمؤسسات
التقليدية, ففي بعض الدول
الغربية لم يعد المرء يحتاج
مثلا إلي حزب سياسي واسع النفوذ
لكي يفوز في الانتخابات,
ولكنه اذا تمكن من جهاز إعلامي
قوي, فبوسعه أن يصل إلي الناس,
ويكسب تأييدهم دون المرور بقناة
الأحزاب. وهذا ما فعله
بيرلسكوني رئيس وزراء إيطاليا
الأسبق, وما لجأ إليه روس
بيرو المرشح للرئاسة الأمريكية
في السابق, الأمر الذي دفع
البعض في أوروبا والولايات
المتحدة إلي الاعراب عن قلقهم
من أن تشكل ثورة الاتصالات
تهديدا للديمقراطية,
باعتبار أنه في ظلها أمكن
التأثير علي الرأي العام, بل
واصطناع رأي عام مزيف.
في كل الأحوال, فلعله لم يحدث
في التاريخ أن سمع وعرف عدد هائل
من الناس بما يجري في المعمورة
كما يحدث اليوم, من خلال ثورة
المعلومات وثورة الاتصال,
الأمر الذي يرتب نتيجة أخري
بالغة الأهمية, هي أنه لأول
مرة في التاريخ نجح الإعلام
القوي ـ الغربي بالدرجة الأولي
ـ في أن يشكل للبشرية تصورا
واحدا للوجود, يظل محوره هو
النموذج الحضاري الغربي.
(4)
نقل عن رئيس المخابرات المركزية
الأمريكية جون دويتش قوله في
عام96 أن الالكترون أصبح
السلاح المثالي لاصابة الأهداف,
وكان ذلك نموذجا للكيفية التي
تستخدم فيها المعلومات
والاتصالات لكسب المعارك
العسكرية فضلا عن السياسية
والحضارية, حتي أصبح مصطلح
الغارات الالكترونية متداولا
بين الباحثين, وقصد به تنظيم
حملات تشويه أو اغتيال وابادة
دون إطلاق رصاصة واحدة.
وانما فقط عبر استخدام وسائل
ثورة الاتصال والمعلومات.
في هذا الإطار تسربت للصحف
الغربية معلومات عن كراسة
أعدتها وزارة الدفاع الأمريكية
حول الغارات الالكترونية,
تحدثت عن نوعين من القتل,
أحدهما ناعم والآخر صارم.
في القتل الناعم يكون الهدف هو
إحداث التدمير النفسي للخصم,
فحين بثت أجهزة الإعلام
الأمريكية صورا لجنود عراقيين
يلثمون أحذية الجنود
الأمريكيين أثناء معركة عاصفة
الصحراء التي استهدفت تحرير
الكويت, فلك أن تتصور مايمكن
أن يحدثه ذلك في معنويات
زملائهم الذين لم يستسلموا,
أو في معنويات الجبهة الداخلية.
مثل هذه الصور يمكن أن تكون
حقيقية, كما أنه من الممكن
افتعالها, لأن تقنيات ثورة
الاتصال أصبحت قادرة علي اصطناع
ما يمكن أن يسمي بالواقع
الظاهري, وهو الواقع الذي لا
أصل له من الحقيقة, وانما هو
متخيل بالكامل, من أوله إلي
آخره, بمقتضاه مثلا فإن
التليفزيون يمكن أن يبث شريطا
عن استسلام جيش لم يستسلم أو
نجاح انقلاب لم يقع!.
من قبيل القتل الناعم أيضا
إطلاق فيروسات تصيب شبكة
الاتصالات لدي الطرف الآخر ـ
مثلا ـ بما يؤدي إلي شلها,
الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلي
اشاعة الفوضي, ويمكن من
إحداث العديد من الاضطرابات.
أما القتل الصارم فأمره بسيط,
والصواريخ التذكية هي أبرز
نماذجه وتجلياته وهي الصواريخ
التي تطلق باتجاه أهداف بذاتها,
دون طيار بطبيعة الحال, وهي
مزودة بجميع التعليمات اللازمة
لبلوغ هدفها.
ثمة استخدام آخر لثورة الاتصال
أكثر إيجابية في المجال السياسي,
فاذا كنا قد أشرنا إلي امكانية
التأثير علي الرأي العام بواسطة
أجهزة الإعلام وتجاوز الأحزاب
السياسية, فقد وجدنا أن
الحزب الديمقراطي الأمريكي في
ولاية الاسكا قد قرر أن يسمح
لأعضائه بالاقتراع عبر شبكة
المعلومات الدولية الانترنت,
لاختيار مرشح الحزب للانتخابات
الرئاسية. وكانت المفاجأة
المدهشة أن82% من أعضاء الحزب
في الولاية اقترعوا بهذه
الطريقة, الأمر الذي يؤيد
بقوة احتمال توسيع نطاق العملية,
بحيث يعتمد التصويت عبر
الانترنت أحد الوسائل المعتمدة
في الاقتراع العام بالدول
الصناعية المتقدمة تكنولوجيا,
يليه احتمال يقودنا إلي امكانية
اللجوء إلي الديمقراطية
المباشرة التي تتعامل في ظلها
القيادة السياسية عبر المجتمع
مباشرة, دون المرور بالأحزاب
والمؤسسات السياسية.
ولا غرابة في ذلك, خصوصا أن
المشاركين في شبكة الانترنت
الآن قدر عددهم بنحو300 مليون
شخص, سيزيدون في نهاية العام
الجاري إلي450 مليونا, حسب
تقديرات شركة ايجوس ريد الكندية,
ولا ننسي في هذا الصدد أن59%
من الأمريكيين يستخدمون
الانترنت بشكل يومي108 ملايين
شخص مقابل52% من اليابانيين و53%
من البريطانيين, وتبلغ
النسبة42% في أوروبا الغربية,
وتشير الدراسات المستقبلية إلي
أن93% من مواطني أوروبا
الغربية والولايات المتحدة
واليابان سيكون لديهم اشتراك
بالانترنت خلال السنوات العشر
المقبلة.
ان الحكومة السويدية تبحث الآن
امكانية تعميم فكرة الاقتراع
عبر الانترنت, الأمر الذي
يثير سؤالا مستقبليا مهما
للغاية هو: اذا ما تمكن الناس
من ذلك, سواء في بيوتهم أو
عبر أجهزة تضعها الحكومة في
أكشاك الهاتف لاستخدام من لا
يملكون كمبيوتر كما يفكرون في
السويد, فهل تبقي هناك حاجة
إلي المجالس النيابية إذن؟..
خصوصا اذا تولت المجالس المحلية
مهمة الرقابة, وأمكن
الاحتكام إلي الناس مباشرة في
صدد أي تشريع يرجي اصداره دونما
حاجة إلي وكلاء للأمة؟
(5)
في الوجه الآخر لمعركة
الالكترون, نري أمورا أخري
إيجابية تهم العرب والمسلمين,
في مقدمتها مايلي:
ان ثورة المعلومات
والاتصالات تفتح الأبواب
لإمكانية اختصار مراحل التقدم,
ذلك أن تقنيات الاتصال مكنت
الباحثين من تحصيل معارف وخبرات
ماكان متاحا لهم أن يحصلوها من
قبل, ووضعت تحت أيديهم
معلومات غزيرة ووفيرة, ما
كان ميسورا عليهم متابعتها من
قبل.
نتيجة لتلك الثورة, فقد خفت
قبضة الأنظمة الاستبدادية علي
الشعوب, إذ بات من العسير علي
أي نظام أن يغلق الأبواب
والنوافذ علي شعبه ولا أن يصادر
الأفكار, أيا كان اتجاهها,
ذلك أن ثورة الاتصالات
والمعلومات أتاحت الفرصة
لاختراق الحدود, بقدر ما
أثرت فكرة العولمة علي قيمة
السيادة.
لقد درجنا ـ نحن العرب
والمسلمين ـ علي الشكوي من
احتكار المؤسسات والعناصر
الصهيونية لوسائل الإعلام,
ونجاحها بالتالي في تشويه
صورتنا وقلب الحقائق المتعلقة
بقضايانا, وهذا صحيح لا ريب,
لكن الموقف تغير الآن إلي حد
كبير, فقد انكسر هذا
الاحتكار واتسع المجال للعرب
والمسلمين ـ وكل صاحب قضية ـ لكي
يقدمها بنفسه إلي الآخرين,
وأن يدافع عنها إلي أبعد مدي,
من خلال مواقع الانترنت التي هي
متاحة للجميع, وقد أصبحت
قادرة علي الوصول إلي أي مكان في
أرجاء الكرة الأرضية الأربع.
يتصل بذلك أنه أصبح بمقدور
المسلمين أن يبلغوا الناس كافة
بما عندهم, وأن يردوا
المطاعن والشبهات التي توجه إلي
عقائدهم, واذا ما هم قصروا في
اهتبال الفرصة, فلن تكون تلك
مسئولية القوة المعادية أو
المتربصة, ولكنه سيكون
تقاعسا وعجزا يلامون بسببه هم
وليس غيرهم.
بعدما تقطعت أوصال الأمة
الإسلامية وتحولت إلي شراذم
موزعة علي الجهات الأربع,
وفرت ثورة الاتصال للأمة فرصة
التواصل مرة أخري علي نحو
افتقدناه منذ شن الاستعمار
الغربي حملاته علي الأمة في
القرنين السابع الثامن عشر,
حتي أنه صار بوسعنا أن نقول ان
الأقمار الصناعية جعلت الحياة
تدب في أوصال الأمة مرة أخري,
ومكنت شعوبها من تبادل الأفكار
والخبرات والحوارات المباشرة
دون عائق يذكر.
علي صعيد آخر, فإن
المهاجرين في عالمنا العربي
والإسلامي الذين انقطعوا عن
بلادهم وأهليهم سنين عددا,
هؤلاء جميعا لاحقتهم الأوطان
حيث وجدوا, بعدما أصبح
بمقدورهم أن يتواصلوا مع
مجتمعاتهم وثقافتهم بعد طول
انقطاع, الأمر الذي جعل
عملية تذويبهم في المجتمعات
التي هاجروا إليها مسألة أكثر
صعوبة.
أخيرا فإن ثورة الاتصالات
والمعلومات حلت مشكلة مجتمعات
العالم الإسلامي التي لاتزال
تثير جدلا حول خروج المرأة
للعمل ومشاركتها في الحياة
العامة, حيث أصبح ممكنا أن
يتم ذلك في البيوت وعبر شبكة
الانترنت, بحيث تصبح المرأة
حاضرة في المجتمع والوظيفة,
وغير غائبة عن البيت في نفس
الوقت.
ان ثمة آفاقا إيجابية ورحبة
فتحتها أمامنا ثورة الاتصال ـ
نحن وغيرنا ـ حتي لم يعد هناك
مبرر للشكوي من الاحتكار
والاضطهاد, فليس الطريق
مسدودا, كما أننا لسنا بلا
حيلة.. وما قد يريده البعض
سلاحا ضدنا, بوسعنا أن نجعله
سلاحا ندافع به عن أنفسنا,
ونرد كيد الآخرين إلي نحورهم..
|