الشاهد للدراسات السياسية والاستراتيجية        

   
     
 

التنظيم الإسلامي والحكومات... وقضية فلسطين

السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

نسأل الله عز وجل أن يبارك لكم في جهودكم لنصرة الاسلام و المسلمين مرسله لفضيلتكم مجموعة من شباب تلك الدعوة الطيبة المباركة

...وكم نحمل لكم كثير الامتنان على جهدكم الدعوي والتربوي لنا في مرحلة الناشئة و الشباب ...و ربما تكون المرة الأولى التي نخاطب فيها فضيلتكم مباشرة ..ولو كنا نعلم وسيلة أخرى لإيصال صوتنا لكم لكنا فعلناها ..ولكن تعرفون الظروف ..أمنية وتنظيمية ..و ... من بعض اخواننا الأفاضل...و لأن كثيراً من الطرق سدت بوجوهنا ، الا أننا لم نيأس، و أسوة باخواننا حينما خاطبوا فضيلتكم في منتدى الاخوان ..و لأننا لن نطرح هنا أي تفاصيل تنظيمية تضر الجماعة التي نحبها و ننتمي اليها ، الا أننا سنتحدث في قضايا عامة ...خاصة وأن المرحلة التي تمر بها الدعوة خطيرة وحساسة ، ألم يعلمنا اخواننا أن قضية فلسطين هي قضيتنا المركزية الأولى ، ألم  يؤصل الامام الشهيد في رسائله وأعماله الفكرية أن فلسطين و أسوارها هي البدء و المنتهى....ولكن بعض اخواننا المسؤولين- و لا نزكيهم على الله في اخلاصهم وتضحياتهم- ليسوا على مستوى الحدث في التفاعل مع قضية فلسطين ، فهم إما بانتظار الأوامر يعانون من افتقاد الرؤية  و اما منكفئين على مشاكل التنظيم و همومه على حساب مشاكل الأمه وهمومها ، وربما يعتقد البعض يا سيدي أن بناء التنظيم ومتانته من الأهمية للقيام بأعباء أمانة الدعوه و التفاعل مع قضايا الأمة ، و لكن الأمر يا سيدي أن التنظيم صار هو الغاية ..فالأعمال الأسبوعية والشهرية والأعمال التنظيمية الداخلية صارت أهم من المشاركة في التفاعل مع قضايا الأمة كالندوات و المعارض والتظاهرات لمناصرة اخواننا في فلسطين ، بل و الأخطر أن البعض يؤصل في وعي الأفراد التربوي و النفسي أن التظاهرات فعل غوغائي غير تربوي يجلب غضبة الأمن و يخل بالتفاهمات معهم ويعرض أمن الجماعة للخطر، وأن الأخ الجيد القدوة هو المواظب علىأعمال الداخل الأسبوعية و الشهرية و السنوية وغيرها، ورغم أن إخواننا في الجامعة باركهم الله قد جادوا بكثير من الجهد - نسأل الله عز وجل أن يبارك جهودهم ويجعلها في ميزان الحسنات- الا أننا غير موجودون بالشارع وقضيتنا المركزية تصل الى إحدى أهم مفاصلها الحرجة، و المعوق خارجي أمني قمعي بنسبة 70% %A1 داخلي تقليدي غير موضوعي بنسبة 30% %0D


فضيلة المربي المرشد:

نريد أن نطرح على فضيلتكم بعض الأسئلة :

1-     هل التظاهرات التي يقوم بها اخواننا في فلسطين هي فعل غير تربوي ؟؟

2-     هل الشباب الغض اليافع حينما يسقطون صرعى مضرجين في دمائهم..نحسبهم شهداء أم.... ؟؟؟

3-     هل التفاهمات مع رجال الأمن في تلك المرحلة الحساسة أفضت الى ما يفيد الدعوه و التنظيم أم أن استراتيجية الأمن تجاه الجماعه غير مرتبطه بأي تفاهمات؟؟

4-      هل قضية الانتخابات ورغم تضحياتها الجسيمة 5000 معتقل في غضون شهر وعشرة آلاف مداهمة وثلاثة شهداء من دوائر الاخوان على الصناديق

5-     أهم من مناصرة قضية فلسطين في أخطر مرحلة تمر بها من بدء الصراع؟؟

6-     هل التنظيم وسيلة أم غاية؟؟

7-     هل الأعمال التربوية الداخلية أهم من الفعل الحضاري ودعم قضايا
الأمة ...بل الموت من أجلها ؟؟

8-     هل قضية فلسطين واسترداد المقدسات هي قضيتنا المركزية الأولى؟؟
فضيلة المربي الفاضل :

لا يستطيع أحد أن يزايد على جهاد الاخوان وفضلهم وأسبقيتهم وإخلاصهم وشهدائهم ولا نزكيهم على الله ولكنه درس الحباب ....رضي الله عنه و أرضاه (أم هو الرأي والحرب والمكيدة) ...وروحية سلمان  الفارسي في الخندق ، وتربية المولى تبارك وتعالى للفئة المؤمنة على الملأ (بل هو من عند أنفسكم )

المربي الفاضل :

خالص الحب لكم ..والثقة

إخوانك ...بل أبناؤك من شباب الاخوان المسلمين.

الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد ...

أشكركم أولاً على هذه الرسالة المفعمة بالأمل بهذه الدعوة المباركة، والحريصة على أن تأخذ مكانها الطبيعي في قيادة مسيرة الأمّة عن طريق التفاعل الإيجابي الحيّ مع قضاياها، وفي مقدّمتها قضيّة فلسطين. لا أعرف البلد الذي تتحدّثون عنه ولكنّي أعرف أنّ الشباب المسلم من داخل التنظيم أو من خارجه يتحرّق شوقاً إلى عمل منتج في خدمة القضيّة المقدّسة ولمساعدة إخواننا الصامدين، وأعرف أنّ جميع القيادات الإسلاميّة - من داخل التنظيم أو من خارجه – ليست أقلّ من الشباب حرقة على فلسطين ورغبة في العمل من أجلها،لكنّها محكومة بموازنات دقيقة، قد تغيب عن الكثير من الشباب، وقد تجعل العمل الهادف لخدمة القضيّة يؤدي إلى الإضرار بها. والاجتهاد في اختيار الموقف المناسب ضمن هذه الموازنات مطلوب ومأجور إن شاء الله ولا أحسب أنّ أحداً من المسؤولين داخل أيّ تنظيم إسلامي يغفل عن هذه المعاني.

أظنّ انّ الجواب على أغلب تساؤلاتكم أصبح واضحاً من هذه المقدّمة، لكن هذا لا يعفيني من الإجابة وهي تأكيد أو شرح أو إضافة. فأقول مستعيناً بالله:

1-    التظاهرات التي يقوم بها المسلمون في فلسطين وغيرها هي جزء مهمّ من العمليّة التربويّة التي تهدف إلى بناء الفرد المسلم القادر على الصدع بالحقّ، والنهي عن المنكر، والتفاعل مع قضايا الأمّة، والإحساس بظلامات المظلومين. وقد أذن رسول الله (صلَى الله عليه وسلَم) للصحابة عندما كانوا متخفّين في إسلامهم بمكّة المكرّمة، أن يخرجوا في شوارع مكّة في صفين يتقدّمهما حمزة بن عبد المطّلب وعمر بن الخطّاب، وهي مظاهرة هدفت إلى إعلان وجود الإسلام والمسلمين رغم ما قد ينتج عن ذلك من زيادة الأذى والتعذيب فكلا الأمرين يساهم في العمليّة التربويّة.


2-
إنّ الشباب اليافع الذي يسقط مضرّجا بدمه على أرض فلسطين، كذلك كلّ الضحايا من النساء والشيوخ والأطفال، سواء ماتوا تحت الأنقاض، أو في ساحات المواجهة أو في عمليّات استشهاديّة، كلّهم إن شاء الله شهداء. لا يخالف في ذلك أحد من العلماء أو المذاهب أو الحركات على امتداد البلاد الإسلاميّة كلّها. فكيف بشباب الحركة الإسلاميّة الأمّ، التي قدّمت في رأس شهدائها، إمامها وقائدها حسن البنّا رحمه الله، ولا تزال تقدّم في فلسطين خيار أبنائها شهداء على درب الحقّ.
ولا يزال شعارها الذي تردّده
أرجاء العالم كلّه (الموت في سبيل الله أسمى أمانينا).

3-
التفاهمات مع رجال الأمن لا بدّ منها في جميع المراحل. لأنّ غيابها يعني التصادم، وهو أمر لا يضرّ الحركة وحدها، بل يضرّ الأمّة كلّها، وخاصّة في قضيّة فلسطين. فإنّ من أهمّ خطط الصهاينة والأمريكان هو الإيقاع بين الشعوب وحكوماتها، وافتعال المعارك بين الدول العربيّة أو الإسلاميّة، من أجل تعطيل القوّة الكامنة داخل هذه الأمّة، والتي إذا اتّحدت وتوجّهت نحو العدوّ فإنّها تؤدّي لتحقيق النصر لا محالة. وأهمّ سبل تعطيل القوّة ضرب بعضها ببعض.
أنا أعلم أنّ بعض ممارسات حكوماتنا بالنسبة لقضيّة فلسطين هي الخيانة بعينها. والتي لا بدّ من إنكارها. لكن الذي نريده من ذلك أن تتغيّر ممارسة هذه الحكومات فتتبنّى القضيّة المقدّسة، أو أن يتمّ استبدالها بأفضل منها، بالأسلوب السلمي المعروف، أمّا الفتنة بين الحكومات وشعوبها فهي تستنزف طاقات الأمّة، وتؤذي بلادنا دون أن تنفع إخواننا في فلسطين.
هناك خيط دقيق جدّاً بين وجوب التحرّك لخدمة القضيّة الفلسطينيّة ومناصرة الشعب الصامد هناك، والضغط على حكوماتنا لتعديل سياستها وطرد السفراء الصهاينة وإغلاق مكاتب التمثيل وفتح الحدود للمساهمة في الجهاد، وبين تحوّل المعركة بيننا وبين الصهاينة إلى صراع داخلي يزيد من ضعفنا أمام الضغوط الأجنبيّة المتزايدة.

هذا الخيط لا يمكن اكتشافه إلاّ من خلال الموازنات بين الظروف المحيطة. ولذلك تكون التفاهمات مع رجال الأمن هي العنصر الذي يمنع الانفجار. لكن من المهمّ جداً أن لا تؤدّي هذه التفاهمات إلى شلّ الحركة عن العمل، بل المطلوب منها إتاحة المجال للقيام بأكبر قدر من العمل الإيجابي دون الوصول إلى الصدام والانفجار. والذي أراه أنّ التفاهمات مع رجال الأمن في جميع بلادنا أفضت إلى ما يفيد الدعوة والتنظيم والأمّة. فهي لم تمنعنا من التحرّك، وإن كانت قد فرضت علينا قيوداً. وأنّ استراتيجيّة الأمن تجاه الجماعةلها هدف أصلي معروف، لكنّها عندما تتوصّل مع الجماعة إلى تفاهمات فمن مصلحتها الالتزام بها. وإذا لم يمكن التوصّل إلى تفاهم فمن الواجب على الجماعة وعلى الحكومة عدم الوصول إلى الصدام الذي يضرّ الجميع، بل أن تعمل الجماعة وهي تقدّر الظروف، وأن لا تزيد الحكومة والقوى الأمنيّة في إسكات الأصوات المعارضة ومنع التحركات الشعبيّة.

4-
لا يمكن أن تكون الانتخابات أكثر أهميّة من مناصرة القضيّة الفلسطينيّة، وليس هناك مجال للمقارنة أصلاً. فالانتخابات من الوسائل المشروعة لإعلان الرأي والمشاركة في العمل السياسي. أمّا مناصرة القضيّة الفلسطينيّة فهي هدف وليست وسيلة. وحين يكون للوسائل أهميّة فهي تتحدد بما يساعد على تحقيق الأهداف.

إنّ القضيّة المطروحة هنا لا تتعلّق بالحركة وحدها، وأين تقع قضيّة الانتخابات وقضيّة فلسطين من سلّم أولويّاتها. بل هناك طرف آخر هو السلطة والتي قد ترى التحرّك في القضيّة الفلسطينيّة يشكّل خطراً
على وجودها، فتكون أخطر عليها من قضيّة الانتخابات بالحجم الذي تمّت المشاركة فيه.
أعود فأقول: أنّ الموازنة في منتهى الدقّة، والخطأ فيها قد يتسبّب بضياع الكثير، والمسؤوليّة كبيرة على القيادة، والنصح مطلوب، لكن طاعة القيادة والثقة بها يبقى أساس كلّ نجاح.


5-
التنظيم وسيلة لا غاية، نحن نقول: (الله غايتنا)، ولم نعتمد التنظيم إلاّ لأنّه وسيلة من وسائل العمل الإسلامي، نؤدّي به واجبنا، ونرضي به ربّنا. ومع ذلك فإنّه من أجل نجاح هذه الوسيلة في تحقيق الهدف، يمكن أن يزيد الاهتمام ببناء التنظيم، فيكون هدفاً مرحليّاً، وليس هدفاً أساسيّاً.


6-
إنّ تربية الفرد المسلم، وبناء التنظيم الإسلامي هما وسيلة على طريق الفعل الحضاري، وتبنّي قضايا الأمّة والموت من أجلها. هذه أهداف لا يمكن أن تقوم بها إلاّ الجماعة المسلمة.فأهميّة الأعمال التربويّة الداخليّة تنبع من مساهمتها في بناء الجماعة المسلمة التي تناط بها رسالة الفعل الحضاري بكلّ أبعاده، وبناء الأمّة الواحدة.

7- إنّ قضيّة فلسطين هي القضيّة المركزيّة الأولى لكلّ حركة إسلاميّة في هذا العصر. هذا أمر لا يناقش فيه أحد من عامّة الناس فضلاً عن أن يكون من العناصر القياديّة. لكن ماذا يمكننا أن نفعل من أجل القضيّة؟ هو الأمر الذي يحتمل الخلاف والنقاش. أسأل الله تعالى الهدى والتسديد والتوفيق إلى كلّ خير.


المستشار الشيخ فيصل مولوي

 

 

 

الصفحة الرئيسية